الطفولة كتاب أبيض ناصع البياض، وأرض خصبة لكل بذرة جديدة، يسجل فيها الطفل كل ما يراه في مسيرة تلك الفترة من حوادث تعرض له أو أحداث تقع في محيطه أو انطباعات ترسم في مخيلته وذاكرته، لتظل محفورة طوال سنين حياته، بل قد يكون لها الدور المؤثر في توجهاته المستقبلية، ومع ثورة الاتصالات والتقنية الحديثة بكل ما فيها من خير وشر تعقدت تربية الأطفال، ولم تعد تقتصر على الأبويين فقط، إذ انتشرت ثورة قنوات الأطفال الفضائية التي تعج بالبرامج والأفكار التي قد يبدو في ظاهرها غير ما في باطنها الذي قد يحمل الكثير من ألوان العذاب لجيل يشكل عماد وأساس المستقبل، فلو تمعنا في برنامج الرسوم المتحركة توم وجيري الشهير، والذي يتحلق حوله فلذات أكبادنا ببراءة وسذاجة لوجدناه لا يخلو من السلبيات الخطيرة والأفكار الشيطانية. فظاهره الإمتاع والتسلية ولكن ما خفي يثير الكثير من التساؤلات حوله؛ لأنه لا يرتكز على أي أسس أو قاعدة تربوية سليمة، فهو يعتمد على المقالب والمكائد، وكل شخص في العرض يضمر الحقد للآخر والرغبة في الانتقام منه وصراعاتهما لا تنتهي. ولو تتبعنا ورصدنا بعض حركات وتصرفات أطفالنا ممن لا تتجاوز أعمارهم الرابعة لوجدناهم يتقمصون ويقلدون بحذاقة شخصيات توم وجيري، بل إن بعضهم تفوق عليهما. أحد الزملاء يشرح لي معاناته مع ابنه الصغير الذي يبلغ من العمر سنتين ونصف السنة، ويصف ذلك بالقول: ما إن يدخل صغيري من أي باب قبلي حتى يوصد عليه الباب وتنتابه نوبة من الضحك الهستيري وهو يردد (أحسن.. أحسن). فهذه الحركة نشاهدها باستمرار في توم وجيري، فربما يشعر هذا الصغير بأنه توم وأن أباه جيري أو ربما العكس. عبدالرحمن الزهراني