ظاهرة مناقشة القضايا السعودية، ومواقف المملكة من مختلف القضايا العربية والعالمية التي انتشرت في بعض الفضائيات العربية في الآونة الأخيرة بشكل مكثف، يجب أن تستوقفنا قليلا، لنتفكر حول أسبابها، والدوافع التي تكمن خلفها، وماهي دلالاتها، وماذا علينا أن نفعل إزاء هذه الظاهرة، وماهو المطلوب منا بالضبط حيال دلالاتها. لأنه ليس المألوف دائما أن تطرق أو تطرح القضايا الداخلية لدولة ما من الدول العربية على قنوات العربية الأخرى بهذا النحو المكثف، ولا أن يطرح دورها العربي والعالمي بهذه الكثافة. خاصة إذا ما ترافق هذا مع ظاهرة أخرى. في بؤرة الضوء: وهناك ظاهرة أخرى يلاحظ انتشارها بشكل واضح وملحوظ وهي اشتراك السعوديين عبر الهواتف والفاكسات والرسائل الإلكترونية فيما تطرحه القنوات العربية من قضايا، ليس فقط تلك التي تناقش الشأن السعودي وحده، بل وحتى في برامج الترفيه والتسلية والمقابلات .. الخ. هاتان الظاهرتان تحتاجان إلى وقفة لتأمل دلالاتهما. بالنسبة للظاهرة الأولى، فإن جزءا كبيرا من هذا التركيز على المملكة في هذا الوقت تحديدا ربما يرجع إلى أن المملكة استلمت زمام المبادرة العربية لحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال حركتها المكثفة، والمركزة على مأساة الشعب الفلسطيني الذي يواجه يوميا حرب إبادة منظمة تنفذها إسرائيل في ظل ضوء أخضر أطلقته الولاياتالمتحدة لشارون، الذي لم يبذل يوما جهدا لإخفاء رغباته الدموية في استئصال الشعب الفلسطينى، كمشروع وحيد من وجهة نظر شارون وحكومته لحل هذه المشكلة. وكان، ولابد بالطبع، أن تنشط أجهزة الإعلام الأمريكية، وهي صهيونية سداة ولحمة، لمهاجمة المملكة التي اخترقت هذا الطوق الصهيوني الجهنمي حول الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي، خاصة عبر مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد، وزيارته التاريخية إلى واشنطون، والكم الهائل من المساعدات والإعانات التي تدفعها المملكة للشعب الفلسطيني دون من أو أذى، والتي يرى ولاة الأمر هنا أنها واجب الأخوة الإسلامية والعربية، وتراها الصهيونية، وتريد أن يراها العالم معها بأنها دعم للإرهاب. ومن هنا فقد أصبحت المملكة في واجهة الحدث في أعقد القضايا السياسية والإنسانية منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن. لذا فإن موقعها في صدارة الحدث جعلها في بؤرة الضوء الإعلامي، وفي دائرة الاهتمام الخبري. ويتوقع المرء في مثل هذه الحالات أن يتجاوز الاهتمام الإعلامي دائرة «الحدث الخبري» قليلا ليبحث عن خلفيات الحدث، أو أن يحاول البحث عن جذور الموقف السياسي من صانع الحدث. ومن هنا يأتي الحديث عن الإسلام، وعن المملكة ككيان، وتاريخ، ومواقف، وايديولوجيات الشريعة الإسلامية، والمجتمع السعودي كبنية تاريخية، وما إلى ذلك. من خلف هذا .. ؟ : وتظل الظاهرة الثانية هي التي تحتاج إلى إعادة قراءة تستوضح دلالاتها، إذ من الواضح أن اشتراك السعوديين في هذه الكثافة في البرامج الحوارية، إذا كان يعكس حيوية عندهم، ويعكس رغبتهم الحارقة في الإدلاء بآرائهم فيما يطرح من قضاياهم على القنوات العربية. إلا أنه يطرح سؤالا: لماذا على القنوات الأخرى، وليس على قنواتنا الخاصة؟ إذ مما يحز في النفس حقيقة إلى درجة الحزن، أن تناقش أكثر قضايانا خصوصية على القنوات الأخرى، وتناقش قضايانا الخاصة على تلك القنوات ثم نندفع إلى الاشتراك في الحوار مع الآخرين، دون علم مسبق بنواياهم وأهدافهم في فتح النقاش حول هذه القضايا، وما هي الأجندة الأخرى غير المعلنة لهذه العملية، ومن أو ما هي، الجهات التي تقف خلفها ؟. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة