ظاهرة مناقشة القضايا السعودية، ومواقف المملكة من مختلف القضايا العربية والعالمية التي انتشرت في بعض الفضائيات العربية في الآونة الأخيرة بشكل مكثف، يجب أن تستوقفنا قليلا، لنتفكر حول أسبابها، والدوافع التي تكمن خلفها، وماهي دلالاتها، وماذا علينا أن نفعل إزاء هذه الظاهرة، وما هو المطلوب منا بالضبط حيال دلالاتها. لأنه ليس المألوف دائماً أن تطرق أو تطرح القضايا الداخلية لدولة ما من الدول العربية على القنوات العربية الأخرى بهذا النحو المكثف، ولا أن يطرح دورها العربي والعالمي بهذه الكثافة. خاصة إذا ما ترافق هذا مع ظاهرة أخرى. وهناك ظاهرة أخرى يلاحظ انتشارها بشكل واضح وملحوظ وهى اشتراك السعوديين عبر الهواتف والفاكسات والرسائل الإلكترونية فيما تطرحه القنوات العربية من قضايا، ليس فقط تلك التي تناقش الشأن السعودي وحده، بل وحتى في برامج الترفيه والتسلية والمقابلات .. إلخ. هاتان الظاهرتان تحتاجان إلى وقفة لتأمل دلالاتهما. بالنسبة للظاهرة الأولى، فإن جزءا كبيرا من هذا التركيز على المملكة في هذا الوقت تحديداً ربما يرجع إلى أن المملكة استلمت زمام المبادرة العربية لحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي. ومن هنا فقد أصبحت المملكة في واجهة الحدث في أعقد القضايا السياسية والإنسانية منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن. لذا فإن موقعها في صدارة الحدث جعلها في بؤرة الضوء الإعلامى، وفي دائرة الاهتمام الخبري. ويتوقع المرء في مثل هذه الحالات أن يتجاوز الاهتمام الإعلامي دائرة «الحدث الخبرى» قليلاً ليبحث عن خلفيات الحدث، أو أن يحاول البحث عن جذور الموقف السياسي من صانع الحدث. وتظل الظاهرة الثانية هي التي تحتاج إلى إعادة قراءة تستوضح دلالاتها، إذ من الواضح أن اشتراك السعوديين بهذه الكثافة في البرامج الحوارية، إذا كان يعكس حيوية عندهم، ويعكس رغبتهم الحارقة في الإدلاء بآرائهم فيما يطرح من قضاياهم على القنوات العربية. إلا أنه يطرح سؤلا: لماذا على القنوات الأخرى، وليس على قنواتنا الخاصة؟ إذ مما يحز في النفس حقيقة إلى درجة الحزن، أن تناقش أكثر قضايانا خصوصية على القنوات الأخرى، وتناقش قضايانا الخاصة على تلك القنوات ثم نندفع إلى الاشتراك في الحوار مع الآخرين، دون علم مسبق بنواياهم وأهدافهم في فتح النقاش حول هذه القضايا، وما هي الأجندة الأخرى غير المعلنة لهذه العملية، ومن أو ما هي،الجهات التي تقف خلفها؟. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com