الفساد المتعارف عليه هو سرقة المال العام، ولكن الأخطر منه (الفساد المقنع) المنتشر في بلادنا والمتمثل في (الإهمال، غير المبالاة، الحرص الزائد أو البيروقراطية، المصالح الشخصية، ضعف التخطيط واستباق الأحداث). وسنحاول ضرب أمثلة عامة لما أحدثه الفساد المقنع في مثالين هما السكن والبطالة، ومثال خاص بالتفصيل لفشل الجمعيات التعاونية ومنها الزراعية في المملكة، فالفساد المقنع جعل من أسعار الأراضي لا تطاق في دولة حرسها الله مساحتها أكثر من مليونين وربع مليون متر مربع، وعدد سكانها 20 مليون نسمة أكثر من الثلثين نساء وأطفال، لا يسعون للحصول على سكن، وسعر المتر لدينا يصل لألف ريال وأكثر، في مناطق الخدمات والسكن المريح حيث تتوفر المدارس والطرق والماء والكهرباء والغريب في الأمر عندما تعلن وزارة الإسكان، أو مصلحة حكومية ما، تريد أن تقيم مشاريعها، عن عدم توفر أراض؟ وفي السابق كان المواطن يحصل على الأرض بسعر رخيص، أو منحة حكومية، ويقوم ببناء جزء صغير منها حسب حاجته، ويسكن فيه حتى تكبر عائلته ثم يزيد في البناء لاحقاً، ولذلك لا يوجد مشكلة سكن. أما الان لا يستطيع أن يجمع بين نارين نار الأرض ونار البناء، في ظل تأخر قروض صندوق التنمية العقاري لسنوات عديدة، والمسؤولون بإمكانهم إيجاد الحل، لوجود الأراضي البيضاء التي تغطي نصف مساحة المدن بفرض ضريبة عليها، ومنع بيعها للغير إلا بعد مدة لا تقل عن سنة من شرائها، وإقامة الضواحي المكتملة الخدمات، وتوزيع الأراضي الحكومية بشرط البناء عليها، والعمل على جعل الأراضي للحاجة الفعلية وليس للاستثمار، الذي أضر باقتصادنا الوطني، لأن الأموال أصبحت تضخ بشراء وبيع الأراضي وليس في بناء المصانع والمزارع، وإيجاد فرص العمل للمواطنين، والتخطيط السليم لكي لا نعاني مستقبلا مثل ما نعانيه الآن من أزمة للسكن، والبطالة حتماً كما هو معروف تؤدي إلى الفقر والجريمة، وكل ذلك حدث بفضل الفساد المقنع. ومن خلال تجربتي في إدارة إحدى الجمعيات التعاونية الزراعية، تبين لي مدى تغلغل الفساد المقنع، مما جعل المزارعين يحجمون عن الاشتراك لضعف خدماتها، وهذا الفساد يتمثل في سيطرة مجلس الإدارة المتجانس المكون (من لوبي) يحارب كل من لا يتوافق مع أهدافه الخاصة، المسيطر على الجمعية منذ عشرات السنين، ولا يتغير حتى لو أجريت عدة انتخابات، بسبب تخطيطه للبقاء، وليس هناك أي محاسبة لأعمال المجلس وقراراته، من قبل الوزارات المعنية، وتجربة الجمعيات الزراعية الفاشلة لدينا، أدت إلى فشل العمل التعاوني برمته، بالرغم من أنه مفصل النجاح في الدول الأخرى، وخير معين للدول، لخدمة مواطنيها. عبد الله محمد البصير