ارتفعت أصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بإقرار وسرعة تطبيق بدائل العقوبات البدنية والسالبة للحرية، وبعبارة أدق (بدائل السجن)، معتبرين أن هذا الإجراء القضائي يسهم في الحد من الكثير من الأمور السلبية التي تترافق مع عقوبات السجن أو الجلد خصوصا بالنسبة للأحداث، ومن تلك السلبيات أيضا تكدس السجون ومخالطة من ارتكب جرما أو جنحة بسيطة لمرتكبي جرائم كبيرة كالاتجار وترويج المخدرات، القتل، والسرقة وغيرها، ما يؤدي إلى اكتساب المحكوم بجنحة بسيطة للعديد من الصفات السلبية التي ستنعكس سلبا ليس على السجين نفسه فحسب، بل على أفراد أسرته والمجتمع ككل. ونظرا لإدراك عدد كبير من المختصين لهذا الأمر وأهميته، أخذوا يسعون إلى تطبيقه في بعض الدول والمجتمعات الإنسانية المعاصرة، كما بدأ الاهتمام الدولي بالاتجاه إلى توسيع نطاقه وزيادة العمل به بصورة مطردة، وعقدت من أجله العديد من اللقاءات والملتقيات. وبالنسبة للمملكة، ظهرت أولى لبنات هذا الإجراء في عام 1423ه عندما اهتم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة التعاون ذلك العام بإصدار وثيقة أطلق عليها مسمى (وثيقة الرياض). تتمحور العقوبات البديلة التي وضعت فئتي المراهقين والشباب على رأس قائمة اهتمامها في عدة مجالات منها الخدمة الاجتماعية والبيئة، ومن أبرزها الخدمة الإجبارية في الجمعيات والمؤسسات الخيرية، المراكز الصحية، الدور الاجتماعية، ومن نماذج الخدمة البيئية تنظيف الأحياء، المساجد، الحدائق العامة، ومن البدائل الأخرى التكليفات الإلزامية مثل إلزام المحكوم عليهم بحضور دورات تدريبية إصلاحية، أو الالتحاق بجمعيات حفظ القرآن الكريم، أو المعالجة الطبية في حالات الإدمان. «عكاظ الشباب» استشرفت آراء عدد من المختصين في هذا المجال ووجهات نظرهم تجاه تطبيق العقوبات البديلة، وخرجت منهم بهذه الطروحات: السجن عقوبة للمدان وأهله «الملتقى الذي يعقد خلال الأسبوع المقبل في هذا الخصوص يأتي ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء في بعده العلمي، إذ يلتقي الخبراء والباحثون لمناقشة العقوبات البديلة ضمن تطوير أشكال العقوبات بما يتناسب والغرض منها الردع والإصلاح وما ينفع المجتمع والشريعة الإسلامية منها إجمالا خاصة في العقوبات التعزيرية، ونحن في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات نحاول أن نعزز هذا المفهوم خصوصا في العقوبات التي توقع على الشباب والأحداث ليمكن من خلالها إصلاح هذا الشاب وإبعاده ما أمكن عن بيئة السجون والإصلاحيات التي ربما لا تحل المشكلة، بل وتسهم في زيادة معدلات الانحراف والعودة إلى السجن، وتتدرج العقوبات من الغرامات المالية وبرامج خدمة المجتمع لمدد محددة، بالإضافة إلى المراجعة اليومية والتسجيل في الأقسام الأمنية، عقوبة المراقبة الإلكترونية، وتحديد نطاق حركة المدان، كذلك عقوبات السجن مع وقف التنفيذ، وهناك ما يسمى بالتدريب والتعليم الإلزامي. واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات كونها تتعامل مع شريحة مهمة هي التي تتعامل مع المخدرات، ترى أن سجن المجرم ليس حلا كافيا، ولذلك يمكن ومن خلال العقوبات البديلة إصلاح المدان بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة، ونحن هنا شركاء مع مؤسسات حكومية ونسعى إلى تصميم برامج تأهيل تكون بديلا عن العقوبات إيمانا منا أن بعض العقوبات المانعة للحرية (السجن) لا تكون عقوبة لسجن المدان فقط، وإنما تمتد إلى معاقبة أهله وأسرته وحرمانه من عائلها، ولذلك تترك سلطة تقدير الحالة إلى القاضي لأننا نظن أيضا أن العقوبات البديلة لا يمكن أن تكون صالحة لكل الحالات، كما أنها لن تكون بديلا عن العقوبات التي يوقعها القاضي على المدانين في قضايا الترويج والتهريب بشكل خاص، واللجنة الوطنية تفرق بين استخدام المخدرات وبين التهريب والترويج، كما نفرق بين الإدمان والتعاطي التجريبي مع الأقران، ونحاول مساعدة المؤسسات التي تتعامل مع الشاب في التفريق في الحالات، لأن الشاب في مرحلة التجريب يحتاج إلى جرعة من التوعية والرعاية الأسرية والانتباه لتأثير الجيرة والرفاق، وفي حالة الإدمان ننظر إليه كمريض يستدعي التدخل العلاجي الفوري والعناية بمن يعول، والحرص على ألا يمتد هذا الإدمان إلى أطراف أخرى من أعضاء الأسرة، كوننا رصدنا حالات كثيرة يحاول فيها المتعاطي والمدمن داخل المنزل أن يسحب معه فردا أو أكثر من أفراد الأسرة رغبة في إخفاء ممارساته أو لتسهيل حصوله على المواد المخدرة، وكذلك الحصول على الأمان داخل المنزل». د. فايز بن عبد الله الشهري أمين عام اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات تدابير البدائل ومعوقاتها «كانت تجربة ثرية جدا استفدت فيها من زميلي الشيخ محمد العبد الكريم قاضي المويه وكثير من القضاة المهتمين بإصلاح الشباب والأحداث وتهذيبهم بعيدا عن السجون. والتجربة تحتاج لإخضاعها لمعايير الدراسة الوصفية الدقيقة لإعطاء نتيجة دقيقة في الموضوع، ولكن ولله الحمد في الجملة كانت التجربة مبشرة، وتجربتك بلا شك ستكون أكثر تحفزا عندما تجد الدعم من مؤسستك القضائية، ومجلس القضاء كانت لهم جهود مشكورة في تبني مفاهيم القضاء التربوي، وجعل لنا خيارا واسعا بالتوسع المتئد في هذه التجربة خصوصا وأننا على أبواب عمل قضائي أكثر مؤسسية في التدابير البديلة. إنني سعيد اليوم وأنا أرى هذا الاهتمام الكبير من وزير العدل بمشروع البدائل وما هذا الملتقى الضخم الذي ينعقد الأسبوع المقبل إلا دليل على اهتمامه بهذا المسار القضائي النموذجي، والسعادة لا توصف عندما أرى أيضا هذا الحشد الضخم تشارك فيه قيادات وطنية من أجل إنجاح هذا المشروع، وبإمكاننا اليوم أن نؤرخ لمشروع البدائل بأنه يخرج الآن من مرحلة الاجتهاد الفردي إلى الاجتهاد المؤسسي المدروس والمدعوم بالخبراء في علم الاجتماع والنفس والسلوك. وتبني المؤسسة القضائية لاهتماماتك يشعرك بأن جذوة همومك القضائية لم تغب أيضا عن القيادات العدلية. وأنا رصدت في ورقتي المقدمة تدابير بديلة في مفهومنا المعاصر منذ أيام رئيس القضاة محمد بن إبراهيم آل الشيخ والتي كانت عبارة عن تأييدات من رئاسة القضاء لبعض التعازير والتدابير القضائية الإلزامية ذات الصفة الأدبية والمعنوية، وبلا شك، فإن العمل المؤسسي المحترف سيأخذ وقتا طويلا خصوصا إن تعلق الأمر بالنواحي التنظيمية أو التدوينات العقابية، التي ستحتاج إلى فريق مقتنع كامل الاقتناع على المضي بالمشروع إلى أبعد مدى. وما يهمنا بداية، اللوائح الاسترشادية والتجريبية والمدعومة قضائيا، يوافقه تطور في الكفاءات التنفيذية في سلطات تنفيذ الأحكام القضائية لتقبل التوسع في هذا المسار, ويهمنا أيضا النظر بجدية في توسيع صلاحيات المؤسسة القضائية الإشرافية على التنفيذ الجنائي لتجاوز حالات التعذر وتصحيح المسارات الممكنة وتقديم الإجراء الأمثل للحكم البديل، ويهمنا هندسة إجراءات مثلى لأقسام مكاتب الخدمة الاجتماعية لإشراكهم في هذا المسار الجديد، ويهمنا وحدة قياس لإعداد الدراسات الميدانية لنجاح التجارب وإخفاقها في هذا المجال. ومن خلال ورقتي المقدمة خلصت إلى بعض العوائق والعقبات أمام التوسع في تجربة القضاء في التدابير البديلة للسجون في المملكة: عدم التكيف مع البيئة الاجتماعية، فالضغط الاجتماعي أحيانا يسبب ضغطا على المحكوم عليه لرفض الحكم، فكان لا بد من خيارات لإسقاطات جزء من المحكومية، أو وقف للتنفيذ على شروط قضائية وقتية، ونحوها من الحلول. عدم وجود العناصر البشرية المؤهلة للتنفيذ والجهل بمبادئ وضوابط هذا المسار المتخصص عند الكثيرين من المباشرين لعملية التنفيذ، فكان من الضروري رسم الآلية التنفيذية الواضحة والاجتهاد في ذلك. معارضة بعض اجتهادات الاستئناف لبعض التدابير البديلة للسجون التخييرية أو المتخصصة والدقيقة تنفيذيا، فكان يتطلب جهودا لإقناعهم بسلامة الاجتهاد وإمكانية التنفيذ، بسوابق قضائية ناجحة. تعذر التنفيذ لانعدام اللوائح التنفيذية المرشدة والبنية الأساسية الكافية لإنجاح المسارات البديلة. وأما تجاوز العقبات ففيها تجارب عديدة ناجحة لها مظلتها النظامية ويطول شرحها في هذا المقام ويحتاج لتدارس الخبراء والمهتمين بهذا المسار، لوضع خارطة طريق وتلاقح الأفكار حولها» الشيخ ياسر البلوي قاضي محكمة صامطة السجن مكان محتمل للانحراف لا شك أن تجربة تطبيق العقوبات البديلة في المحاكم السعودية مع حداثتها نسبيا، حظيت باستحسان الكثير من المهتمين بالشأن العام، ومرد ذلك لأنها تسهم في تقليل حجم العقوبات التعزيرية، أو بمعنى أدق بعض العقوبات التعزيرية ذات الطابع التأديبي التي يعد السجن فيها خيارا من ضمن عدة خيارات يمكن للقاضي أن يلجأ إليها، ومن خلال التجربة العملية الواقعية محليا وعالميا يمكن أن يقال إن المعاقب إذا حكم عليه بعقوبة بديلة عن السجن يكون بذلك سلم من أجواء «ثقافة السجون»، التي يختلط فيها مع مجرمين ومنحرفين قد يؤثرون عليه، وقد أثبتت الدراسات والوقائع أن بعض السجناء يدخلون السجن بسبب قضية في ميزان الممنوعات ليست كبيرة، ولكنه يخرج وقد انخرط في ممارسة خرق الأنظمة والقوانين وارتكاب العظائم والموبقات واستمراء الجرائم الكبرى، وبالتحليل يعلم أن السجن وأجواءه وما يدور فيه من مؤثرات هو السبب الأكبر في ذلك التحول البغيض الذي يخسر فيه المجتمع الكثير والكثير على صعيد ذلك الفرد المتغير وعلى صعيد المجتمع الذي ستزداد جراحه جراحا بانضمام عنصر إفساد جديد يضرب بمعاوله لهدم بنائه. وبحساب الربح والخسائر نجد أن السجن مكان محتمل للانحراف الفكري لكون السجين الجديد يتعايش مع ثقافة السجناء من ذوي الخبرات الإجرامية أو الانحرافية، ويتأثر بذلك مدة مكثه واحتكاكه واختلاطه بأصحاب تلك الثقافة وما تحويه من قيم مشوهة، وبالتالي يحدث الضرر أمنيا بعد ذلك، والمجتمع تكون خسارته مضاعفة من جراء ذلك كله على المستوى الخاص والعام، ومن هنا تأتي العقوبات البديلة لتكون بمثابة طوق النجاة التي تبعدنا عن تلك الأضرار أو تسهم على الأقل في التقليل كثيرا منها، إضافة إلى أنها تخفف كثيرا على مديرية السجون عبئا يتزايد يوما بعد يوم لا سيما مع ازدياد الكثافة السكانية التي يلازمها بالضرورة كثرة الجرائم بشكل مطرد. لا أظن أن الاستدلال السابق يتصل بالعقوبات البديلة لأن الصدقة فضل ومعروف وليست عقوبة، ولكن يمكن أن يستدل على مشروعية العقوبات البديلة بأن استعمال السجن كان محدودا جدا في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت في حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة، وبعد ذلك زادت الحوادث التي استعمل فيها السجن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والخلفاء من بعده، ويمكن الاستدلال بما تقدم على أن السجن لم يتوسع فيه كعقوبة في العهد النبوي والخلفاء الراشدين إلا في حدود ضيقة على عكس ما يجري الآن من توسع كبير في استعماله، كما أن العلماء في باب التعازير نوعوا العقوبات وعددوا فيها، وتوسعوا في أدواتها من التوبيخ إلى ما هو أكبر من ذلك، وبصور مختلفة تحقق الغرض التأديبي بما يراه القاضي أنه الأنسب مع حجم الجرم المقترف، مع مراعاة حال المعاقب وتحري الأصلح للمجتمع حفاظا على حقوقه ومصالحه العامة. ويخشى من تفاوت التطبيق للعقوبات البديلة لدرجة التباين، ولذا في نظري لا بد من معايير أو ضوابط عامة تضبط مجالات تطبيق العقوبات البديلة وتحدد أسبابها ووسائلها وطرق تنفيذها ليسترشد القضاة بذلك، ولا بد من وجود بعض السلبيات في التطبيق خاصة بعد التوسع فيها، وربما سيأتي الرفض اجتماعيا من عامة الناس إذا لم يلمسوا أنها تحد من تفاقم الجرائم ونوعيتها، فربما يفهم أنها تنطوي على نوع من التساهل مع منتهكي الأنظمة والآداب العامة. والجرائم التي تدخل في العقوبات البديلة هي كل جريمة لم يرد فيها حد شرعي مقدر، ويعرفها الفقهاء بالتعزير ويعرفونه بأنه «كل معصية لا حد فيها ولا كفارة»، ويمثلون لذلك بعدة أمثلة من قبيل السرقة التي لا قطع فيها لكونها من غير حرز مثلا أو الشغب المزعج، والمعاكسات، وبعض أنواع التحرش الجنسي، إلخ. د. خالد بن منصور الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري جامعة الملك سعود أول إشارة نظامية للبرنامج «اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم، جهة خيرية صدرت بموجب قرار مجلس الوزراء يرأسها وزير الشؤون الاجتماعية ولها 15 فرعا في جميع مناطق المملكة، ويتبع كل منها قسم نسائي لتقديم الخدمات للسجينات وأسرهن، ولها مجلس إدارة يضم مندوبا عن جميع الجهات الممثلة في عضويتها من الوزارات وقطاعات مثل وزارات الداخلية، الشؤون الاجتماعية، العدل، العمل، الشؤون الإسلامية، الثقافة والإعلام، الصحة، التربية والتعليم، الخدمة المدنية، بالإضافة إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، هيئة التحقيق والادعاء العام، جمعية البر في منطقة الرياض، ومندوب عن مجلس الغرف التجارية السعودية. ومن مهمات اللجنة؛ تطوير البرامج داخل المؤسسات الإصلاحية والسجون، اتخاذ الوسائل الكفيلة لرعاية السجناء وأسرهم واتخاذ الوسائل الكفيلة لهم ولأسرهم بما يؤدي إلى عدم عودتهم إلى الجريمة مرة أخرى، إجراء الدراسات العلمية التي تعمل على إصلاح السجناء ونزلاء الإصلاحيات والمفرج عنهم، ودراسة البدائل الممكنة للسجن وهي التي تعتبر أول إشارة نظامية للشروع في برنامج العقوبات البديلة، ومن ثم تم التطرق إلى نظامية الإجراء، وبدأت أول إشارة له في قرار مجلس الوزراء القاضي بإنشاء اللجنة، الذي تضمن في إحدى مواده إعداد الدراسات عن البدائل الممكنة لعقوبات السجن عام 1422 ه، وفي عام 1428ه اجتمع المجلس الأعلى للسجون برئاسة وزير الداخلية وحضور جميع الوزراء المعنيين ومن بينهم وزير العدل، حيث تضمن توصيات للأخذ بالعقوبات البديلة في الجرائم التعزيرية، بعد ذلك صدر أمر سام كريم في عام 1429 يقر هذا المبدأ والأخذ بالبدائل المالية، البدنية، الاجتماعية، والتدابير المقيدة للحرية الواردة في وثيقة الرياض، وأن تطبق جميع الجهات المعنية هذا الإجراء عند وقوع الذنب لأول مرة من الجاني. وتعتبر اللجنة طرفا أساسيا في هذا المشروع بحسب ما نص عليه قرار مجلس الوزراء، حيث أجرت اللجنة عدة دراسات حول هذا الموضوع وشاركت بدراسات وبحوث في أكثر من ندوة علمية مثل الندوة التي عقدتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان حول العقوبات البديلة، وملتقى عقدته المديرية العامة للشؤون العامة الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عن العقوبات المناسبة للأحداث، وأيضا تواصلت اللجنة مع قضاة طبقوا هذه العقوبات، وتزويد القضاء بما لدى اللجنة من دراسات حول المشروع». محمد الزهراني أمين عام اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم) تؤتي أكلها في بعض الأوقات «أرى أن موضوع العقوبات البديلة التي تطبق داخل السجون (نظافة المرافق، خدمة الغير، إلخ) والتي تفرض على الأشخاص داخل السجن تؤتي أكلها في بعض الأوقات ومع بعض الأشخاص وليس على الكل، وذلك اعتمادا على شخصية السجين ونفسيته، إذ يجب اختيار الوقت المناسب لفرض ذلك العقاب وإلا صار العقاب بمثابة مكافأة له ويؤثر سلبا على المنشأة سواء كان سجنا أو إصلاحية، ومن خلال العمل لسنوات طويلة مع تلك الفئة من الناس، أجد أن العقوبة يجب ألا تكون نشاطا عاديا محببا للنفس، وإلا لن تسمى عقوبة ولن نبلغ الهدف منها ما دام أن الشخص يحب ذلك العمل، فاختيار العقاب المناسب للشخص المناسب ضروري ليستفيد السجين أولا ويستفيد غيره بما قام به من نشاط، والواجب على من يفرض العقوبة أن يختار الهدف من العقوبة، فإن كان يهدف إلى عقاب الشخص فعليه اختيار الشيء غير المحبب له مثل نظافة العنابر، دورات المياه، غسيل الصحون، مسح الأرضيات، وترتيب الأشياء المبعثرة، وذلك لتزرع في المعاقب الشعور بالذنب والعزم على عدم الرجوع له أو التقليل من الأخطاء التي أدت إلى ذلك، كذلك أرى من الناحية النظرية أن العقوبات البديلة فاعلة ومجدية ولكن عند التطبيق على أرض الواقع أجد فيها صعوبة خصوصا إذا ما طبقت على الأشخاص الفوضويين غير المتعاونين والجادين في تنفيذ ما يطلب منهم. ولعل حديثي مركز على من بداخل السجن، أما عن تطبيق العقوبات البديلة والتي تكون بديلة عن دخول الشخص إلى السجن والمكوث فيه مدة محكوميته، فهي خطوة إيجابية جدا وهي بالتأكيد مربوطة بوقت زمني وإنجاز مهمة معينة تطلب منه وقت الحكم عليه بذلك، والنظر في ما تم تحقيقه من أهداف مرسومة وفق خطة زمنية مرسومة بحيث تحدد بناء على نوع القضية وشخصية المحكوم عليه وإمكانياته النفسية والاجتماعية، والبدنية كذلك إذا كان المطلوب منه يحتاج جهدا بدنيا. كذلك أرى وقد يستغرب بعض الناس من ذلك إصدار الحكم عليه بعدة خيارات من العقوبات البديلة ويختار المحكوم عليه ما يناسبه ليستفيد ويفيد، لأن الهدف من ذلك هو إبعاده عن محيط السجن وسلبياته التي لا تخفى على أحد، وفي الوقت ذاته سوف ينجز المهمة الموكلة إليه بكل إخلاص لأنه هو من اختار نوع العقاب. وفي النهاية، أشكر القائمين على تطبيق هذه الفكرة في المحاكم السعودية وأجدها فكرة رائعة ورائدة وحضارية جدا تضمن كرامة المواطن الذي زلت به قدمه لارتكاب بعض الأخطاء والقضايا التي لن تتكرر منه إذا طبقت عليه العقوبة بهذه الطريقة». خالد عبد الرحمن الحمدان مشرف رياضي سابق في دار ملاحظة في الرياض تجنب تبادل السلوكيات السيئة «السجن ليس عقوبة بحد ذاتها، لذا تتجه وزارة الداخلية إلى تسميتها بالإصلاحية ما يعني أن طرح العقوبات البديلة يتسق مع هذا التوجه، وفي ظل التوصيف الجديد للمحاكم: المحكمة الجزائية، محكمة عامة، ومحكمة استئناف، وننتظر قريبا محاكم الأحوال الشخصية، أود أن أوضح أن المحكمة الجزائية وقد لا يعرف الكثير أنها تختص بالأحكام التعزيرية التي يندرج تحتها مصطلح (الأحكام البديلة)، والتي لها مزايا لعل من أهمها: تلافي سابقات أو جنح على من يتورط بعمل ما أو بخطأ، وبالتالي لا تعيق الأحكام البديلة توظيف الشباب على وجه التحديد لأنها لا توثق في السجلات الرسمية بوصفها جنحة أو سابقة فتعيق توظيفه كما ذكرت. الأحكام البديلة تعزز الشعور بواجب الاعتذار العملي وتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية. في ظل السجون المختلطة لكل الفئات توفر العقوبات البديلة إمكانية تجنب تبادل السلوكيات السيئة بين السجناء خاصة صغار السن، فليس من اللائق أن يزج بشاب صغير تورط في مخالفة صغيرة إلى عنابر السجون العامة التي تكتظ بأصحاب السوابق، ويكتسب الشاب في ظل إحباطه النفسي والنظرة المجتمعية السلبية سلوكيات قد تجعل أخطاءه في المستقبل أكثر فداحة، ولذلك فإن العقوبات البديلة خيار مناسب لهكذا حالات. ثم إن العقوبات البديلة في حد ذاتها سلوك متحضر لإعادة تأهيل من يتورط في أخطاء من أي نوع، وتحقق المحافظة على نفسية الذي تعرض للسجن والإحباط، إلى جانب أشياء كثيرة سلبية، وكنت أعددت في بداية حياتي الصحافية قبل أكثر من 20 عاما سلسلة تحقيقات صحافية تناقش قضية (لماذا يعود السجناء إلى السجن مرة أخرى؟) وأدهشني إلى حد الفزع أنني وجدت أعدادا كبيرة من الشباب لم يتجاوزوا ال20 عاما سجلت عليهم من 3 4 سوابق كلها تراكمت بفعل عقوبة السجن في المرة الأولى، ولو أمكن تلافيها وأقصد بها العقوبات الأولى بأحكام بديلة، لربما كسبنا شبانا لا ينقادون إلى الطريق المظلم الطويل، ولعلنا هنا نتذكر جميل مبادرة القاضي محمد العبد الكريم قاضي محكمة المويه الذي اتجه إلى تطبيق العقوبات البديلة، والمبادرات النبيلة الشبيهة بذلك في اتجاه تنفيذ الأحكام البديلة، حيث طبقها أكثر من قاض في عدد من مدن المملكة، ولا أنسى مبادرة صحيفة «عكاظ» لهكذا أطروحات تعزز التفاعل بالتعاطي مع الأحكام البديلة والتقيد بها كعمل مؤسسي في المحاكم الشرعية تسمح به طبيعة الأحكام الشرعية (التعزيرية)». نايف بن عبد الرحمن العتيبي باحث ومستشار إعلامي