دعا القاضي ياسر البلوي في السابق مع عدد من زملاء مهنته إلى التوسع في تجربة الأحكام البديلة إلّا أن دعوته لم تجد ترحيباً أول الأمر كما يذكر بعض متابعيه، لكن الوقت الحالي كان للبلوي ورفاقه جرس آخر، بعد أن عقدت وزارة العدل ملتقى خاصاً بهذا الأمر، ما حداه بالقول في حوار مع «الحياة» «اليوم نخرج من مرحلة الاجتهاد الفردي للقضاة إلى الاجتهاد المؤسسي المدروس والمدعوم بالخبراء في علم الاجتماع والنفس والسلوك». وأوضح في حوار مع «الحياة» أن التجربة العملية للأحكام البديلة ثرية جداً، مقراً بوجود عدد من العقبات لكن ذلك لم يثنِ عزيمتهم بالتوسع في التجربة، مفيداً بأن عدداً من القضاة المهتمين شاركوهم هذا الأمر لإصلاح الشباب والأحداث وتهذيبهم بعيداً عن السجون. ظن بعض المتابعين أنك لن تُدعَى إلى ملتقى «الاتجاهات الحديثة في الأحكام البديلة»، ما جعلهم يقولون لماذا القاضي ياسر البلوي هنا؟ - أنا هنا لألبيَ دعوة كريمة من وزارة العدل ولتوجيه من رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالمشاركة الإيجابية لإلقاء بعض الضوء على ما يبذله القضاة وبعض الجهات المتعاونة في نضج تجربة التدابير البديلة للسجون. يتوارد أن وزارة العدل كانت متحفظة نوعاً ما على توسعك في الأحكام البديلة لكننا رأيناها اليوم تتبنى مؤتمراً كبيراً حول ذلك.. ما القصة؟ - هذا ليس دقيقاً بل وجدنا كل تقدير وكل دعم وتشجيع، وما هذا الملتقى الضخم إلا برهان لما تجده اهتماماتنا القضائية من مساندة، ويحق لنا أن نؤرخ له اليوم بأنه يخرج الآن من مرحلة الاجتهاد الفردي للقضاة إلى الاجتهاد المؤسسي المدروس والمدعوم بالخبراء في علم الاجتماع والنفس والسلوك. حدثنا عن بداياتكم في تجربة الأحكام البديلة وكيف تقوّم كقاضٍ التوسع في التجربة؟ - كانت تجربتنا التطبيقية العملية ثرية جداً، استفدت فيها من قاضي «المويه» زميلي الشيخ محمد العبدالكريم، فكانت همومنا لا تتوقف في دعم هذا المسار والدفع به لأبعد مدى تطبيقاً عملياً.. تلقينا أحياناً بعض المخفقات، ولكن ولله الحمد كانت القناعة كبيرة بحاجة للتوسع في التجربة. شاركنا في هذه القناعة كثير من القضاة المهتمين بإصلاح الشباب والأحداث وتهذيبهم بعيداً عن السجون. بحكم أنك من المناضلين لإقرار «الأحكام البديلة» ماذا ستقدم في الملتقى؟ - ورقة العمل المقدمة للملتقى كانت عن «تجربة القضاء في المملكة العربية السعودية في التدابير البديلة للسجون»، وتحدثت فيها عن تاريخية ومشروعية وإمكان تجربة القضاء في المملكة العربية السعودية في مجال العقوبات والتدابير البديلة للسجون. ثم سلطت الضوء على المسارات المؤثرة في دعم تجربة التدابير البديلة للسجون في المملكة، ثم تحدثت عن خريطة التصور العامة لمراحل تطور تجربة التدابير البديلة للسجون في المملكة، ثم تطرقت إلى العوائق والعقبات وسبل تحسين إدارة الأداء القضائية للتدابير البديلة للسجون في المملكة. ثم أخيراً سلطت الضوء على جملة من التطبيقات القضائية في التدابير البديلة التي حكمت بها والتي تم تنفيذها بنجاح. كيف تقوِّم أهمية مثل هذه الملتقيات وانعكاسها على أرض الواقع، خصوصاً في شق الأحكام البديلة؟ - هذا الملتقى وهذا الحراك العلمي مهم وضروري ودافع لتجربة البدائل.. وأهميته على المستوى القضائي العام: بأن هناك حاجة متزايدة لدراسة تجربة القضاء الجزائي للتدابير البديلة للسجون، وملاحظة نجاحاتها وإخفاقاتها وتعريضها لمتطلبات الأداء الناجح، وملاحظة المعوقات التي تعرقل هذا الأداء، وللتعرف على نواحي القوة من أجل دعمها، وعلى نواحي الضعف من أجل إصلاحها وتداركها وتلافيها في أي تخطيط مستقبلي. ولأهميته أيضاًَ على المستوى التنفيذي العام: فالجهات التنفيذية والجهات التشريعية في حاجة ماسة ومتزايدة لمعرفة إلى أي مدى يمكن للقضاء الجنائي أن يدعم هذا المسار، وفي حاجة ماسة إلى فترة تجريبية لملاحظة هذا المسار الجديد. وكذلك مهم على المستوى القضائي الخاص (القاضي الفرد): فتحقيق تجربة البدائل لأهدافها مرهون بتعرف القاضي على مهارات التوسع في هذه التجربة والعقبات التي تحول بينه وبين تحقيق هذه الأهداف، ومحاولة التغلب عليها، وأخذه في الاعتبار عند مرحلة التجربة في المملكة ونضج الجهات ذات العلاقة في دعم هذا المسار. وكذلك مهم على مستوى المحكوم عليه بالتدابير البديلة: فعرض تجربة البدائل تعطي المحكوم عليه أفقاً أرحب عن ماهية هذا النهج الجديد في التهذيب والمعتمد أخيراً لدى عدد كبير من القضاة، إذ يتطلع المحكوم عليه إلى الأهداف المرجوة من هذا المسار الجديد. فيستوعب الهدف الأساسي من تلك العقوبات البديلة، وهو إصلاح الفرد المخالف عن طريق دفعه للمشاركة المجتمعية الفاعلة والأخذ بيده لما فيه الأصلح، كما يطَّلع على توافر وسائل التقنية الحديثة في هذا العصر والتي توضح إمكان متابعة من تصدر في حقه عقوبات بديلة ومدى تنفيذه لها والأمثلة على ذلك كثيرة. هذا الوعي مهم جداً في تقبُّل المحكوم عليه للعميلة التهذيبية بالتدابير البديلة، ما يقلل حالات الرفض لها والاقتصار على العقوبة التقليدية (السجن). ألا تعتقد أن انعقاد مؤتمر حول الأحكام البديلة يعد أمراً متأخراً؟ - لقد تطرقت إلى هذه النقطة وأشرت إلى أن أي تجربة ناضجة لا بد لها من محددات متئدة لتطورها.. والتي لخصتها بثلاثة محددات: المحدد الاجتهادي الإبداعي: المؤقتة حسب الأوضاع الحالية التي تعتمد على اجتهاد القاضي العام وفهمه للأنظمة وحدود السقف الذي تسمح بها السياسات العقابية في المملكة. يقابله توأمة تنفيذية اجتهادية واعية وقادرة على التنفيذ الفعال وتطوير مستمر لبيئة التنفيذ. المحدد التجريبي الاسترشادي: بالعمل على وضع مشروع لوائح استرشادية للبدائل، وطريقة تعامل الجهات التنفيذية معها، تدوّن الملاحظات وتسجل الإشكالات وترسم حلولها في شكل آراء استرشادية لتجاوز المآخذ. محدد استقرار التجربة: وهي استقرار الحالة الناضجة بإقرار مشروع لوائح إلزامية تعم وتخص وتجمع كل التفاصيل الدقيقة في هذا الفقه التوفيقي. ويكون بعد تجربة زمنية طويلة ومليئة بالتجارب الثرية والرصيد التراكمي من مهارات التجربة التاريخية.