الكتابة فن جميل، تختلف أهدافها، وتتنوع اتجاهاتها، وهي حقل للتعبير عن الانعكاسات النفسية لشتى الظروف المحيطة ببني الإنسان، وهي أسلوب علاجي نفسي ناجع لكثير من الحالات النفسية، ومجال خصب لتوعية المجتمع وإصلاحه وتنويره. إن المستقرئ لمقالات الكتاب؛ ليرى أن هناك نوعين من الكتاب، نوع يكتب ما يريده هو، وآخر يكتب ما يريده الناس، وكلاهما أشار إليه المنفلوطي في نظراته، وليس في أي منهما عيب ولا يتجه إلى أحدهما نقد مطلق، إذ أن لكل منهما إيجابياته الكاسحة دون أن ننكر سلبياته، غير أن هذه النظرة كانت قاصرة برغم أنها صحيحة ولا غبار عليها، ففي حين أن بعضا من الكتاب يكتبون ما يريدون وآخرين يكتبون ما يريده الناس مجاراة لظروف متنوعة أو لاعتبارات معينة فإن هناك نوعا ثالثا من الكتاب وهو من تتوافق آراؤه ورغباته مع السواد الأعظم من أفراد وطنه، فهو يكتب ما يريده هو ويريده الناس في حين معا، وقد اكتسب هذا النوع ما لم يكتسبه النوعان السابقان، حيث اكتسب عامل الصدق في التعبير والتوافق مع الرأي العام وهو ما يسديه شعبية ساحقة. إن القلم الساحر عندما يجرده الكاتب من أجل الصالح العام بكل تفرعاته صائغا تعبيراته بروح مشاعره الذاتية التي تتفق والشعور العام، فإنه يكون أشد تأثيرا وإيقاظا متزامنا للروح والعقل اللذين من شأنهما أن يورثا سلوكا موجها ومنضبطا بمعيار الفكرة التي يبثها الكاتب بين سطور مادته المعروضة في أسلوب يتسم بالسهولة والإحكام دون غرابة ممقوتة أو تدن أسلوبي ممجوج حقيق بضربه عرض الحائط. إن تمجيد جمهور عريض لكاتب ما دليل ظاهر ليس على ارتباطهما بوشيجة شعورية فحسب، بل على قوة تلك الوشيجة ومتانتها، حيث عبر عما يختلج في صدورهم أو يوغرها لا لشيء سوى أن ذلك هو عين ما يختلج في صدره أو يوغره، فهو يكتب ما يريد ويرده الناس في آن معا. نعم إن هناك رقما ضخما من الكتاب، ولكن أين منهم من تتحلق الناس حول ذكره أو تطوف حول أفكاره؟! إبراهيم العمري