لا يخفى على الجميع الدور المهم والأساسي الذي يضطلع به القطاع الخاص في بناء بنية اقتصادية حرة لأي دولة، ومساهمته الفعالة في تطويرها على صعيدي التنمية الاجتماعية والبشرية، وقدرته على توفير فرص العمل، وفي توفير السلع والخدمات وذلك بخلاف دوره الفعال في زيادة الدخل القومي وزيادة الصادرات وتقليل الاعتماد على الواردات مما يؤدي في نهاية الأمر لزيادة دخل الفرد، والقطاع الخاص هو لبنة الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة فهو يخلق لها بنية اقتصادية قوية تمكنها من مواجهة الأزمات ويقلل من اعتمادها على الغير. ولو نظرنا للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، فسنجد أن الدولة حرصت بوضوح منذ تأسيسها على دعم القطاع الخاص بمؤسساته، وحرصت على مساندته بكل الوسائل الممكنة، وقد وصل إسهام القطاع الخاص السعودي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي العام 2008م نحو 72 %، وقد ارتفع حجم الاستثمار لهذا القطاع من نحو 1.2 بليون ريال في عام 1970 إلى نحو 171.9 بليون ريال في عام 2008م، ولايزال يمثل دعم القطاع الخاص أحد أهم أولويات صانعي القرار في المملكة، ولهذا الغرض قامت بمساندته بكل وسيلة وطريقة ممكنة، وسأذكر هنا بعض الحقائق للتاريخ ليس إلا؛ لقد قامت الدولة في الثمانينات وربما قبل ذلك بتمويل الكثير من المشروعات الخاصة، من خلال منحها القروض الحسنة بهدف مساعدة رجال الأعمال على إنشاء المصانع والشركات والمتاجر والمستشفيات، وقد ظهر هذا الدعم أيضا من خلال المعاملة التفضيلية التي قدمتها الدولة ولا تزال لمؤسسات القطاع الخاص، من خلال وقوفها بقوة ومؤازرتها للمنتجات السعودية من خلال إعطاء الأولوية للشراء في المؤسسات الحكومية للمنتجات المحلية، لتفرض تواجدها على الساحة، ولتكسبها المزيد من الدعم والمساندة في وجه المنافسات السوقية الشرسة. ولعل الدعم الأقوى لمؤسسات القطاع الخاص يتمثل في سياسة الدوله بعدم فرض ضرائب على دخل هذه المؤسسات، والاكتفاء بتطبيق أحكام الزكاة الشرعية «2.5%» عليها فحسب، ولو ألقينا نظرة سريعة على خارطة دول العالم فسنجد أن غالبيتها قد قامت بفرض ضرائب على القطاع الخاص وبنسب عالية جدا تفوق 30% في بعض الدول ولا مجال لحصرها هنا، وفي هذا السياق يجب أن نفرق بين «الضرائب على الدخل» وبين «الرسوم» حتى لا يختلط الأمر على القارئ ؛ «فالرسوم» مثل اشتراكات الغرف التجارية، عادة ما يتم تحصيلها بهدف توفير الخدمات فحسب، وهى لا تتعلق بتحقيق الدخل أو عدم تحقيقه من الأساس. ربما يتساءل القارئ عند قراءة ما سبق عن الدافع الذي من أجله ذكرت ذلك، في واقع الأمر لقد كتبت هذه المقدمة لأن كل ما ذكرته عن الدعم الحكومي لمؤسسات القطاع الخاص يعد أمرا مبشرا وباعثا على التفاؤل، بل وربما يمثل دافعا لمؤسسات القطاع الخاص للقيام بمسؤولياتها وواجباتها الاجتماعية والقومية، لقد أصبح من المألوف تماما أن نرى الكثير من المؤسسات الغربية والشرقية تتباهى أمام مجتمعاتها بالقيام بدور رئيسي وفعال في خدمة المجتمع الذي تنتمي إليه، وتتسابق في إظهار طبيعة هذه الخدمات والإفصاح عن تكاليفها من خلال تقاريرها المالية السنوية التي تقوم بنشرها، إلى الدرجة التي بلغت حد المنافسة في بعض من الأحيان. وللحديث بقية. * أكاديمي وكاتب صحافي. [email protected]