كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م، التي حلت أخيرا الذكرى العاشرة لها، كما هو معروف، وما زال، تداعيات خطيرة هائلة.. شملت كل أو معظم العالم. أما نتائج هذه الأحداث على العالمين العربي والإسلامي فقد كانت وما زالت كارثية ومفزعة، في معظمها. فإن افترضنا أن من قام بهذه الأعمال هم بالتأكيد من العرب، وبزعم «خدمة القضايا العربية والإسلامية والانتقام ممن يسيئون إلى الأمة»، فإن هذه الأعمال قد قادت (وخاصة بفعل العناد الأمريكي، والكيد الصهيوني) إلى العكس.. حتى الآن. ولكن، ورغم المكابرة الأمريكية، إلا أنه كان وما زال لهذه الأحداث تأثيرات ضمنية ملحوظة في السياسات الأمريكية الراهنة نحو العالم العربي. إن «مقاومة» السياسات الأمريكية السلبية تجاه العالمين العربي والإسلامي يمكن أن تأخذ عدة صور.. يستحسن ألا يكون من ضمنها بالضرورة العنف، أو استخدام القوة ضد مدنيين. فهناك أشكال مختلفة للمقاومة، ذات طابع سلمي غالب. وهى أكثر فعالية في الوصول إلى الأهداف التي شنت الأفعال من أجل تحقيقها. ولنا في أساليب مقاومة غاندي ومانديلا، وغيرهما، قدوة في هذا الشأن. إن ما قام به أولئك النفر لا يمثل موقف وتوجه غالبية العرب والمسلمين، رغم أن هذه الأغلبية تشعر بغبن شديد من السياسات الأمريكية إياها. وإن نتيجة ما قاموا به ألحقت أذى فادحا وواضحا بالأمة العربية، ولم تغير كثيرا من السياسات السلبية الأمريكية تجاه المنطقة، رغم أن تلك الأحداث فتحت ملف العلاقات العربية الغربية على مصراعيه. وليت أولئك فكروا بعقلانية، قبل إقدامهم على ذلك العمل الرهيب.. ولم يلقوا بأنفسهم وأمتهم في هكذا تهلكة، وهكذا تضحية غير مدروسة. **** وكان من الطبيعي أن يكون للولايات المتحدة «رد فعل» تجاه تلك التفجيرات.. فهذا حق طبيعي لأية دولة تهاجم في عقر دارها. وكان من المنطقي أن يتركز «رد الفعل» الأمريكي في ما يلي: أولا: مراجعة السياسات الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، والعمل على معالجة الأسباب الرئيسة للامتعاض الشعبي العربي المشهود، من هذه السياسات، وعلى رأس تلك الأسباب: 1 دعم أمريكا لبعض الأوضاع السياسية السيئة في العالمين العربي والإسلامي (ومن ذلك: احتلال وتدمير العراق، والتلاعب بالحقوق العربية المشروعة في الحرية والاستقلال). 2 التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل في عدوانها على الشعب العربي الفلسطيني واغتصابها لحقوقه وأراضيه، وتهديد بقية الدول العربية والاعتداء عليها من حين لآخر. **** ثانيا: وضع تعريف محدد ل«الإرهاب»، وتعقب كل من تنطبق عليهم مضامين هذا التعريف فقط، دون سواهم، ومن ثم القضاء على النشاط الإرهابى الحقيقي أيا كان مصدره. ثالثا: العمل على تشكيل تحالف دولي مضاد للإرهاب، على أسس من التكافؤ والتعاون المشترك، القائم على الإجماع والاقتناع (الحقيقي) الدولي. رابعا: تشديد إجراءات الأمن الداخلي في أمريكا، وبما لا يمثل تعديا على الحريات العامة التي اعتاد عليها ذلك البلد منذ تأسيسه. **** هكذا كان يجب أن يكون «رد الفعل» الأمريكي، كما يوحى المنطق المجرد، بل ومنطق السياسة الدولية الراهنة. ولكن رد الفعل الأمريكي (الفعلي) كان وما زال مختلفا تماما، وبعيدا (كما هو معروف) عن هذه الأسس، بل ومنافيا، في كثير من جزئياته للمنطق السليم، ومتطلبات العدالة، إضافة إلى القوانين والأعراف الدولية المتفق على الالتزام بها عالميا. إذ ما زال يعيب «رد الفعل» الأمريكي هذا تبني نقيض ما ذكر، من خطوات حكيمة، كان يجب ويتوقع اتخاذها، من قبل صانع القرار الأمريكي. فكما هو معروف، اتسم رد الفعل الأمريكي بما يلي: أ : إصرار أمريكا على مواصلة سياساتها المعتادة تجاه العالم العربي، بل والتشدد أكثر في هذه السياسات، ومن ذلك: غزو واحتلال أحد أكبر الدول العربية (العراق) دون أي مبرر منطقي، وتدمير ذلك البلد، وقتل أعداد هائلة من أبنائه، وتهديد بلاد عربية أخرى، والعمل على تكريس التخلف العربي، تحت أغطية مختلفة. كما تزايد الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، في عدوانها على الشعب العربي الفلسطيني، واغتصابها أراضيه. إضافة إلى مواصلة الادعاء بالتوسط من أجل «السلام» في المنطقة، وتقديم «حل» هلامي، بمسمى «خارطة الطريق»، والذي استهدفت منه: إطلاق يد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وغيرهم، والتواطؤ للتنكيل بالمقاومة الفلسطينية، واغتيال واعتقال رموزها، إضافة إلى دعم إسرائيل في عدوانها وتربصها بالأمة العربية كافة. وما زالت أمريكا الرسمية تصر على قيام ما تسميه ب«الشرق الأوسط الجديد»، وهو عبارة عن : تكتل كبير تابع، مصمم لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية بصفة أساسية، مع تكريس الظلم القائم، وإلغاء الهوية العربية للمنطقة. وهو «مشروع» لا تراعى فيه القيم والحقوق العربية المشروعة. لذا، فإن ضرره بالنسبة للعرب أكثر مما قد يكون له من منفعة. وباختصار، ما زالت أمريكا الرسمية تتجاهل ما تولده سياساتها نحو العرب من استياء وغبن. ب : تعمد عدم وضع تعريف عالمي موحد لما يسمى ب«الإرهاب»، ووأد كل المحاولات الدولية الرامية لوضع مثل هذا التعريف للحيلولة دون انطباقه على إرهاب الدولة الصهيونية، وكذا عدم انطباقه على كل من يقاوم الإرهاب (الحقيقي) الإمبريالي الصهيوني المشهود، وإرهاب الدول. ج : الفشل في تشكيل تحالف دولي فعال مضاد للإرهاب الحقيقي، بسبب إصرار حكومة أمريكا على عدم الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية، والانفراد بالغنم، وتوزيع الغرم، أو عدم تحمل أي جزء منه، متى وجد. د : المبالغة «المقصودة» في إجراءات الأمن الداخلي في أمريكا، وتضخيم الهاجس الأمني لدى الشعب الأمريكي، وتخويفه، بهدف: ضمان تأييده للإجراءات (الأمنية) المتعسفة التي تتخذها الحكومة الأمريكية، وموافقته على الإنفاق العسكري المتزايد، الذي تسعى تلك الحكومة لزيادته باستمرار، لأسباب، منها: إرضاء بعض المصالح الخاصة وعلى رأسها كل من: اللوبي الصناعي العسكري، واللوبي الصهيوني، وهى جماعات تربطها مصالح مع من يسمون ب«المحافظين الجدد» الذين ما زالوا يهيمنون في أمريكا. وتضمنت حملة «التخويف» هذه: تشويه صورة العرب والإسلام، داخل وخارج أمريكا. **** ولعل أسوأ وأخطر «خطوة» في ما تسميه أمريكا ب«الحرب على الإرهاب» (وهو في الواقع رد الفعل الأمريكي على أحداث 11/9/2001م) هو: قيام أمريكا بغزو واحتلال وتدمير العراق، دون أدنى مبرر منطقي، على الإطلاق. فقد ثبت بالقطع ألا صلة للنظام. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 121 مسافة ثم الرسالة