مرت الأيام ثقيلة مضنية خلال ثلاثة أسابيع حُرِّقت فيها غزة، وخرجنا جمعيا نصيح ونهلل بينما كانت صرخات الأطفال المحروقة أقوى من كل صوت تهز أكباد الحجر، تلك المحرقة التى أوقدها العدو غير آبه ولا مكترث كمن يلهو بالدمى أمام أعيننا ومسامعنا ونحن لا نستطيع فعل شيء بل تيبست أقدامنا عن رد الكيد – وملئت نفوسنا حزن عميق.. لكن البكاء على اللبن المسكوب لا يجدي نفعا.. الحرب أفعال وردها أفعال، وليست بالخطابة ولا التصاريح ولا الانشقاق... يقول الله تعالى: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما" (النساء 104)، فأين هذا الألم الذي تألمته تلك العصابة؟ بل أصبحت تملي شروطها رغم كل ما فعلته، وما موقفنا الآن من تكرار هذه الاعتداءات التي وظفها الإرهابيون بأنها بسبب صواريخ المقاومة؟ وهل كانت تلك الصواريخ موجودة وقت مذبحة دير ياسين وقانا وصابرا وشاتيلا وغيرها من مجازر، وهل كان لقتل الرموز أمثال الشيخ احمد ياسين والرنتيسي وغيرهما من وقفة.. إنها منظومة صهيونية تستهدفنا باستخفاف على مسمع ومرأى من العالم الغربي والأمريكي المنحاز بوضوح ولهذا فهم شركاء في هذه المذابح، مما جعل المجرمين يفلتون من العقاب وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بوش وأمثاله من القادة الصهاينة المتعطشين للدم، وإذا كنا نأمل من الإدارة الأمريكيةالجديدة أن تجرم إسرائيل فهذا حلم بعيد المنال، فمنظومة السياسة الأمريكية لا يستطيع الرئيس الانفكاك منها مهما كانت عاطفته واعتداله فالإدارة الأمريكية شعارها الدائم "إسرائيل أولا ثم أمريكا ثانيا" لقد أوجد بوش شرخا كبيرا في العلاقة بين أمريكا والدول الإسلامية والعربية فهل يستطيع أوباما ترميم هذا الشرخ، إن قوة اللوبي الصهيوني داخل الدولة الأمريكية تعلو كل قوة وصوته يعلو كل صوت فتغلغلها في الجسد الأمريكي حتى النخاع. أما وبعد أن هدأت تلك المجازر كان لزاما علينا أن نسخر كل طاقاتنا وإمكاناتنا للنيل من هذا العدو بشتى الطرق قبل أن يهدأ اللهيب فليست فلسطين وحدها هدفه، إن مبتغاه الأزلي الأرض الموعودة، والتربص بالإسلام من أولوياته. وهنا لابد من أن نوظف آليات منها على سبيل المثال: * يجب أن يظل الرأي العام المناوئ لإسرائيل ولأفعالها قائما على الدوام كما لا بد من تصنيفها دولة عنصرية إرهابية – كأن يوصم اسم إسرائيل "بالكيان الإرهابي" في جميع مناولتنا في الإعلام والكتابة والخطابة والمؤتمرات. فهي قد وظفت ذلك من قبل على المنظمات المناهضة لها مما جعل العالم مع كثرة الترديد أن يؤمن بتوصيف منظمة حماس والجهاد وغيرهما بأنها منظمات إرهابية، كما وصفت بعض الدول بأنها "محور الشر" فكلها ابتداعات كلامية من صنع أمريكا والكيان الإرهابي للتعميم على لسان العالم.. * كما يجب أن يظل المشهد الذي كنا نراه على شاشة التلفاز من تلك القنابل الفسفورية المتساقطة شعارا ثابتا باسم "هولوكوست غزة" في كل صحافاتنا ومنشوراتنا وسجلاتنا التي يتعامل بها الإعلام المسموع والمقروء ويحدد له مكان في صفحات الجرائد وعلى الدوام لتظل مرسومة في مخيلة المجتمع الخارجي وذكرى للمجتمع الداخلي. * يجب التقنين في التعاملات مع الشركات التي تتعامل مع إسرائيل بأن يتم خنق وارداتها إلى المنطقة العربية مع السماح بمزيد من فتح التجارة مع غيرها. * الوقوف بشدة مع كل من يصف الدين الإسلامي بدين إرهاب أو دين تشدد.. وكل من يتصدى لنبينا الكريم. * وعلينا توضيح أمر "لماذا لا يريد الكيان الإرهابي تسليح الفلسطينيين؟" بأنه من أجل تكرار الحرب والإبادة دون دفاع عن النفس. * إطلاق اسم الأحياء والمدن المتضررة من العدوان الإسرائيلي على الشوارع والأماكن العامة. * إظهار بشاعة العدو في العدوان ليس على الإنسان بل على كل شيء كتجريف الأراضي وهدم المساجد والأبنية العامة والخاصة. * الاستمرار في ملاحقة العدو أمام المحاكم الدولية لمحاسبته على الجرائم التي ارتكبها. ويكون السؤال العام "ما هو الشيء الذي لم تفعله إسرائيل"؟ * البحث والتحري عن المفقودين الذين خطفهم العدو بعد الحرب ومطالبته بإرجاعهم سريعا قبل أن يستخدموا "كقطع غيار لليهود" بسرق أعضائهم. وهذا حق فلسطين علينا قبل أن تضيع القضية كما ضاعت غيرها.