ابني العزيز: الأسرة مجتمعة ..الساعة تشير للعاشرة .. مشهد عظيم قد لا يتكرر كثيرا ..وإنما مرة في السنة ليلة شبه مكتملة ..فالبدر رفض وبشدة أن يكتمل وفنجال القهوة ليس بنفس مزاجيته ورائحته الزكية رغم وجود كل ما يحتاجه فنجال القهوة من مقادير خاصة به حتى كوب الشاي أصبح باهتاً فاقداً النضارة والطعم !!فابتسامتي البسيطة المجاملة وسط ضحكات عالية ؟! كنت مذهولا من هذه التقلبات والتساؤلات وراء هذا اللغز المفاجئ المحير ؟! كانت الأسرة سعيدة فهذا يقبل ابنه وذاك يسير ماسكاً يده الصغيرة ، وآخر يداعب ابنه ..أبحرت بكياني، وبروحي معك..قبلتك بحرارة ولم أسعد بك إلا في الخيال ..حبيبي لازلت في نظري مهما كبرت ذلك الابن الشقي الذي يلعب بكل شيء ، يتسلق ..يكسر..يشاجر أبناء الجيران ..كثير الشغب طاقة لا تنتهي حتى تنام متعباً منهكاً انظر إليك بتأمل طويل وأنت غارق في بحر أحلامك الصغيرة .. التي لا تتعدى اللعب بالكرة ، والدراجة، وصدرك لا يحمل في جوانبه حقداً أو كراهية لأحد متأججاً بحبه للحياة ..أجلس بجوارك أمسح على وجهك وأنامل يديك ، وأطراف جسمك ، وقدميك النحيلتين وما بهما من جروح الشقاوة ، وبراءة الطفولة ..لأضع قبلة دافئة ممزوجة بنبرة هادئة، ودمعة باكية محاسبة للنفس والضمير لربما مسك أذى..ابني الصغير الحاضر بأجمل ذكرياته ..الغائب الكبير بواقع حياته !طال هجرانك عني فمددت يدي لك فأنا أغرق في أمواج أوهامي، وناديتك بصوتي المبحوح ، واختنقت كلمتي فلم أستطع الكلام وظلت شفتاي تناديان باسمك ..ولدي..ولدي..ولدي أنقذني!! فلذة كبدي حياتي صعيبة جداً، وزادها ألما مقاطعتك ..ليس لي طموح سواك تردت حالتي فلم استطع إخفاءها !!ليتك تقف فجأة وتشاهد منزلنا، ومشاكساتي المزمنة مع والدتك فأعلم انك تستمتع بها وسترى بأم عينك تجمع الطيور أمام نافذة غرفتك وقد نحل جسمها ، وفقدت الأمل في عودتك على أنشودة حزينة أرددها كل فجر لا يمل سامعها ، وسترى دربنا المنبسط رغم إنارته إلا أنه منتقص لخطواتك عليه وستشاهد قريتنا الحالمة كيف يحتضنها الجبل الحنون وهي تعانق خليلها القمر وستراني أمام كرسيك..!! أنتظر عودتك ؟؟ وسترى أمك وهي تقبل صورتك صباح مساء وهي تناجي ربها بأن تعود لتملأ حياتها سعادة وفرحة ..ابني الوحيد نعم تغربت وكافحت لمصارعة معاناة الحياة الريفية ولكن كلي ثقة أن المدينة وأضواءها الناسخة للظلام لن تنسيك والدك وكذلك والدتك ولن تنسيك حنين الشوق لقريتك ..مهما كانت شهادتك فأعلم أنك أصيل كالذهب والتواضع طبع غرسته فيك مهما تدرجت سلالم الحياة فالشمس مهما طال انتظارها فلابد أن تشرق ومهما طال غيابك وهجرانك فإنك ستعود أليس كذلك؟ ! فعند عودتك ترد لي عافيتي وتسترد أشياؤنا عافيتها وستسهر قريتنا الحالمة على ضوء القمر الفضي فرحاً وانتشاء بعودة ابنها البار. فايع عسيري