شهدت الأحساء عرضا مسرحيا البارحة الأولى، في إطار فن "الكوريوغراف» وهو أحد الفنون الدرامية الصامتة المتعمدة على قدرة الحركة الجسدية، من خلال مسرحية «للأقنعة أسطورة»، نظمها فرع جمعية الثقافة والفنون في الأحساء، ضمن برنامج عيد أرامكو السعودية، من تأليف الدكتور عبداللطيف الجمعان، وإخراج نوح الجمعان، وأداء 30 شابا، وصاغ موسيقاه محمد الحمد، ورسم ديكوراته إبراهيم المبرزي، ومنصور الذكر الله وأحمد القعيمي. فكرة العرض تدور حول أحداث حياتية ذات طابع إنساني لا يختص بمكان أو زمان معينين، بل يسعى العرض الممتزج بالموسيقى بتقديم حالة إنسانية عامة، ويؤكد أن الإنسان مهما وضع من أقنعة ولو كان من ذهب تبقى القوة الحقيقية للإنسان الباحث عن الحقائق في عالم يضج بالأحداث والمتغيرات، ويبقى الإنسان أحد محركات تلك الأحداث والمتغيرات. ويعتمد المسرح الصامت على مجموعة من المقومات الرئيسية للنجاح، مثل القصة الهزلية المتضمنة لمجموعة من الأفكار والمشاعر والانفعالات، وتشغيل الحركات والإشارات والإيماءات وتمثلات الجسد، وتشغيل الألعاب البهلوانية والسيركية الصامتة، وتوظيف المفارقة والسخرية والضحك، واستخدام الكوميديا، ومحاكاة الآخرين وتقليدهم، واستثمار الكاريكاتور الانتقادي. وقد كان أحد المحاور الرئيسية في العرض هو «القناع» والذي قال عنه الناقد المسرحي حسن يوسفي: أنه مفارقة كبرى يحرر من الأشكال المألوفة ويأسر في قالب واحد، يخفي قسمات ويظهر أخرى، يخلق الاستيهام وضده، يمسخ حامله. ويعبر القناع عن رمز في ذاته، ومعنى مضمر لما يخفي، وقد اعتمد المخرج في العرض على الحركة الاستعراضية للجسد كلغة تخاطب وتواصل إبداعي مع الجمهور من خلال الأقنعة بشتى صورها وإشكالها وألوانها واختلاف الثقافات ضمن رؤية إنسانية وفنية. ويكتب المخرج نوح الجمعان الحالة المهارية والإبداعية في طريقة تعامله مع 30 ممثلا شابا وبعضهم يصعد المسرح للمرة الأولى، وتحكمه في حركاتهم الصامتة سواء عبر اليد أو القدم أو الرأس، بتناسق كبير ورائع وملفت ومثير، واستطاع أن يوظف الإشارات والإيماءات والصمت بطريقة إيجابية أشعلت حماس الجمهور، والذي تفاعل مع عرض فني يشاهد لأول مرة، وقد ساعد المخرج على ذلك الأداء الملفت للممثلين من خلال الحوار أو أداء حركة الجسد سواء الصامت أو تلك الخفة على خشبة المسرح، بالإضافة إلى الموسيقى التي كانت إضافة لحالة صمت الممثلين وحركتهم، بل كانت في بعض الأحيان أقوى من الصمت. واستطاع المخرج أن يجعل من اللغة الجسدية للممثل علامة من علامات العرض المسرحي، في حين أثبت الممثلون أن حركة الجسد هي إحدى الأدوات المهمة في التمثيل، والتي يتركب منها العرض المسرحي، واستطاعوا من خلال القناعة والصمت تصوير حياة الإنسان اليومية خارج القناع، وأنه مرتبط بأعماق الكائن، وبشرط وجوده الاجتماعي بقوته وضعفه، ويعود النجاح للعناية الكبيرة من قبل المخرج وأداء التمارين المكثفة والمتكررة للممثلين، حتى كان في قمة الأداء والحركة على خشبة المسرح. وسيقدم الليلة مسرحية «مريم وتعود الحكاية» تأليف ياسر الحسن، وإخراج عقيل الخميس، في الساعة الثامنة والعاشرة مساء.