أشاد أمين منظمة التعاون الإسلامي البرفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو، بالحملة الشعبية التي أطلقتها المملكة أمس الاثنين 22 رمضان ) لإغاثة المتضررين من المجاعة في الصومال، وبموقف المملكة من تداعيات الأحداث في سورية. وقال في حواره مع «عكاظ»: إن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سباقة في أعمال الخير، ونجدة المحتاجين في العالم الإسلامي، كما أن الملك عبدالله قائد إسلامي ذو حكمة وبصيرة مميزتين، وكلمته الأخيرة تجاه ما يجري في سورية جاء من خلال إحساسه بالمسؤولية تجاه إخوانه المسلمين في العالم وفي سورية بشكل خاص. كما أشار أوغلو إلى أن تطورات الأحداث في المنطقة العربية تعبر عن صحوة تهدف إلى إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طال الأمد عليها، منوها بأن وقف عضوية سورية في منظمة التعاون الإسلامي يعد من اختصاص المجلس الوزاري للمنظمة مناشدا القيادة السورية وقف استخدام القوة ضد المتظاهرين المدنيين. • ما تقديرات منظمة التعاون الإسلامي لاحتياجات المتضررين من المجاعة في الصومال، وما الذي قدمته المنظمة في هذا الصدد حتى الآن؟ الأزمة الإنسانية الكارثية في الصومال والتي تسبب فيها الجفاف والمجاعة، تشكل التحدي الأكبر لمصداقية التعاون الإسلامي، فعلى الرغم من عدم وجود موارد مالية كافية وبالرغم من التهديدات الأمنية الخطيرة، تمكنت المنظمة من إنشاء مكتب تنسيق للشؤون الإنسانية التابع لها في مقديشو، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق في الصومال، بالإضافة إلى توجيه نداءات الاستغاثة للدول الأعضاء بشأن الحالة الإنسانية الخطيرة في الصومال، لأجل تمكين المنظمة من اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء الوضع الإنساني هناك. حيث وجهت المنظمة خلال الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد في إسطنبول في 17 أغسطس 2011، نداء إلى الدول الأعضاء والمؤسسات المالية والمنظمات الإنسانية وأهل الخير والمجتمع الدولي للتعاون و التبرع بسخاء من أجل التصدي للتحديات الإنسانية البالغة التي يواجهها الشعب الصومالي. وقد طالب الاجتماع الدول الأعضاء، بالتنسيق مع الأمانة العامة، بتنظيم نشاطات لجمع الأموال خلال الفترة المتبقية من شهر رمضان المبارك لصالح سكان الصومال المتضررين من المجاعة وموجة الجفاف. وتعد منظمة التعاون الإسلامي الجهة الوحيدة العاملة على الأرض في الصومال، حيث تقود تحالفا يضم أكثر من 20 منظمة إغاثية، بحاجة إلى 500 مليون دولار للتخفيف من معاناة المتضررين من الجفاف في الصومال. إلى جانب أن المنظمة أطلقت حملة «أيام العطاء لإغاثة شعب الصومال» والتي بدأت مطلع شهر رمضان المبارك، وأثمرت الحملة عن تفاعل كبير من المسلمين في مختلف دول العالم. دور ريادي • وكيف تقيمون دعم المملكة للجهود الدولية لإغاثة المتضررين من المجاعة في الصومال؟ المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز كعادتها سباقة في الأعمال الخيرية ونجدة المحتاجين في العالم الإسلامي، وما الحملة الشعبية التي تم إطلاقها يوم الاثنين 22 رمضان المبارك، إلا أكبر دليل على تسابق أهل الخير من كافة أطياف المجتمع السعودي على تقديم المعونات والتبرعات السخية؛ لإنقاذ إخواننا في الصومال. ونسأل الله العلي القدير في هذه الأيام المباركة أن تكون هذه الأعمال الخيرة في ميزان حسنات خادم الحرمين الشريفين الذي يقود شعبه ويدلهم على أعمال الخير. ونجري الآن ترتيبات مع المسؤولين في المملكة لاستقبال التبرعات وإيصالها لمستحقيها في الصومال وفي غيرها من الدول الأعضاء التي تعاني من الفقر. قمة مكة وتحولات المنطقة • ما رؤية منظمة التعاون الإسلامي لعمليات التظاهر السلمي التي أصبحت تجتاح المنطقة العربية؟ الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم الإسلامي والمنطقة العربية خصوصا في الفترة الحالية تشكل تحولا مفصليا في تاريخ المنطقة؛ تتطلب معالجته قدرا عاليا من الحكمة والبصيرة، والتطورات الأخيرة التي تشهدها بعض دول المنظمة تؤكد الحاجة الماسة إلى ضرورة الإسراع في عملية تجسيد طموحات الشعوب في الحكم الرشيد وسيادة القانون، وتعزيز حقوق الإنسان وتوسيع نطاق المشاركة السياسية والحوار الوطني المخلص. ونحن في المنظمة نتابع باهتمام بالغ الأحداث المتسارعة التي تشهدها العديد من الدول الأعضاء. وأؤكد هنا أن على الدول الأعضاء في المنظمة ضرورة تطبيق الإصلاحات السياسية المذكورة آنفا، والتي نص عليها برنامج العمل العشري الذي تم إقراره في قمة مكة الاستثنائية الثالثة في عام 2005، برعاية ودعم خادم الحرمين الشريفين. كما أؤكد أيضا على موقف المنظمة الثابت المتعلق بالرفض التام للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء واحترام سيادتها، وضرورة الالتزام بميثاق المنظمة والقوانين والتشريعات الدولية في هذا الخصوص. والمنظمة على استعداد لاتخاذ أية مبادرة من شأنها دعم الحوار البناء بين الأطراف المعنية في الدول الأعضاء التي ترغب في ذلك تعزيزا للسلم والاستقرار في هذه الدول، وتحقيقا لمبدأ التضامن الإسلامي. الحوار والتدخل الخارجي • كيف تقيمون الأوضاع الآن في كل من ليبيا واليمن وسورية، وما جهود منظمة التعاون الإسلامي لإعادة الاستقرار في تلك الدول؟ التطورات في المنطقة عبرت عن صحوة تهدف إلى إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي طال عليها الأمد، وألقت بثقلها على ظروف المعيشة لشعوبها. فبالنسبة لليبيا، نهنئ أولا الشعب الليبي على انتصاره العظيم وقضائه على نظام القذافي الذي كان يحول دون تحقيق رغبات الشعب الليبي من الاستفادة من مقدرات وطنه، من خلال تحقيق الحكم الرشيد التي تحققها الديمقراطية، فالشعب الليبي من أطيب الشعوب الإسلامية خلقا وكرما، وقد غلب على أمر مدة أربعين سنه، ونحن نتمنى أن يسود الهدوء والاستقرار خاصة أننا في شهر رمضان، لذا يجب معاملة المغلوبين على أمرهم باللطف والمسامحة، وتقديم المسؤولين عن الجرائم للمحاكمة، ونتمنى أن يتم التحول إلى النظام الديمقراطي بأسس سليمة ودستورية تضمن وحدة التراب الليبي واستقلاله ويحقق أماني الشعب الليبي في حياة أفضل. فمنظمة التعاون الإسلامي وقفت منذ اليوم الأول إلى جوار المجلس الانتقالي، والمطالب المشروعة للشعب الليبي، ولا زلنا نجري الاتصالات مع المسؤولين الليبيين في بنغازي، بهدف أن يلتف الشعب الليبي حول قيادته الجديدة، وأن يعمل على تضميد الجراح وتجاوز الآلام الكبيرة والصعبة التي واجهها في المدة الأخيرة. أما فيما يخص اليمن، تتابع المنظمة باهتمام بالغ تطورات الأوضاع الأخيرة في اليمن وخاصة بعد وصول الرئيس علي عبد الله صالح إلى المملكة لتلقي العلاج. ودعونا جميع الأطراف اليمنية، بمن فيهم زعماء القبائل، إلى التهدئة وضبط النفس وضرورة حل القضايا المطروحة بالحوار والتفاهم لضمان أمن اليمن واستقراره والانتقال السلمي للسلطة. وبالنسبة للأحداث الجارية في سورية، فإننا نناشد القيادة السورية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من خلال الوقف الفوري لاستخدام القوة لإخماد المظاهرات الشعبية، والدخول في حوار مع جميع الأطراف السياسية في سورية من أجل التفاهم على إجراءات الإصلاح المرضية والإسراع في تنفيذها. والمنظمة على استعداد للقيام بدور في هذا الإطار، حيث نؤمن أن الحوار هو الخيار الأمثل والوحيد الذي يمكن من خلاله احتواء هذه الأزمة العاصفة وتجنيب سورية الانزلاق نحو مخاطر داخلية، وكذلك لوقف تصاعد مواقف الرفض والغضب الإقليمي والدولي تجاه هذا الأسلوب. وأؤكد على ما سبق أن عبرت عنه مرارا في بيانات سابقة من القلق البالغ إزاء استمرار استخدام قوات الأمن السوري للقوة المسلحة المفرطة في مواجهة المدنيين السوريين الذين يتظاهرون سلميا مطالبين بمزيد من الديمقراطية والحرية السياسية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية. ونشدد هنا على أن هذا الأسلوب المستمر منذ عدة شهور، في التعامل مع المطالب الشعبية قد أثبت عجزه في احتواء الأزمة، بل إنه يؤدي إلى المزيد من سقوط الضحايا وتعقيد الموقف الداخلي بما يفضي إليه ذلك من انعكاسات سلبية على الموقف الإقليمي والدولي الرافض لهذا الأسلوب، كما أن الدين الإسلامي الحنيف يشدد على حرمة النفس البشرية في جميع الأحوال، ونأمل في أن تكون هذه الأيام المباركة التي تعيشها الأمة الإسلامية ملهما ودافعا للقيادة السورية للإسراع بوقف نزيف الدماء وترويع المدنيين الأبرياء والتجاوب مع المطالب المشروعة للشعب. مسؤولية تاريخية • كيف تقيمون موقف المملكة المعلن من تداعيات الأحداث في سورية؟ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قائد إسلامي ذو حكمة وبصيرة مميزتين، وجاءت كلمته من خلال إحساسه بالمسؤولية تجاه إخوانه المسلمين في العالم وفي سورية بشكل خاص. فقد أكدت كلمة خادم الحرمين الشريفين الحرص الشديد على مصلحة الشعب السوري والخوف من الانجراف نحو الفوضى، وقبل ذلك رغبة منه في وقف إراقة الدماء خاصة وأنه أكد على أن «مستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع». كما جاءت مطالبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، بوقف «آلة القتل وإراقة الدماء»، لتكرس بالفعل المسؤولية التاريخية للمملكة العربية السعودية الشقيقة، وتعزز وقوفها التاريخي أيضا، إلى جانب أشقائها. وبشكل عام، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، له أياد بيضاء في جميع دول العالم الإسلامي لا ينكر فضلها إلى جاحد قد جانب الحقيقة، حيث إنه يهب إلى نجدة أي جزء في العالم الإسلامي متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وهو حريص على توطيد علاقة بلاده بالدول الأخرى. • وهل هناك توجه لدى المنظمة لتجميد عضوية سورية؟ قرار تجميد العضوية ومنع أي دولة من حضور اجتماعات المنظمة يختص بمجلس وزراء الدول الإسلامية وهو الهيئة الوحيدة التي من شأنها اقتراح واعتماد مثل هذا النوع من العقوبات، وفي الاجتماع الوزاري الأخير الذي عقد في العاصمة الكازاخية أستانة لم يناقش هذا الموضوع. وأرجو ألا تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة لأي طرف من الأطراف. محور أساسي • ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك، ألا ترى أن الاهتمام بالفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، تراجع كثيرا من قبل المنظمات الإسلامية والعربية بفعل تداعيات الأحداث الأخيرة في المنطقة العربية؟ القضية الفلسطينية والقدس الشريف المحور الأساسي لعمل المنظمة، وهي من أهم البنود المدرجة على جدول أعمال المنظمة، وقد عقدت اللجنة التنفيذية للمنظمة عدة اجتماعات وزارية حول هذا الموضوع، وقررت كسر الحصار الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة، وإيصال المساعدات إلى سكان القطاع المحاصر، وتم بالفعل تسيير قوافل إغاثة عديدة إلى القطاع. ولا بد أن نستذكر هنا الجهود التي قامت بها المنظمة على المستوى الدولي حيث كانت منظمة المؤتمر الإسلامي أول من دعا إلى فتح تحقيق دولي في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في إطار هذا الحصار الظالم. وقدنا مبادرة دولية في هذا الاتجاه نجحت في استصدار قرارات من مجلس حقوق الإنسان شديدة الوضوح في إدانة إسرائيل، وفي فتح تحقيقات دولية في جرائمها. ولا بد أن نذكر أن تشكيل لجنة التحقيق الأولى التي شكلها المجلس برئاسة القس ديزموند توتو عقب مجزرة بيت حانون كان تتويجا لمبادرة المنظمة وجهدها في مجلس حقوق الإنسان، كما أن تشكيل لجنة التحقيق التي رأسها القاضي جولدستون قد جاء ثمرة أخرى لمبادرتنا وجهود المجموعة الإسلامية في جنيف. ونعكف حاليا على متابعة هذا الملف على شتى المستويات، حتى يتم تحقيق العدالة وجلب مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية. ومن جهة ثانية عقد فريق الخبراء في المنظمة اجتماعه الأول لبحث السبل والآليات التي يمكن لنا التحرك من خلالها لرفع الحصار الإسرائيلي عن غزة، فالحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة يشكل انتهاكا سافرا لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويمثل خرقا صارخا باتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، ويعتبر خرقا للبروتوكول الثاني الملحق باتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، ويدخل في نطاق الجرائم التي هي من اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، وسنعمل على وضع حد للانتهاكات الإنسانية والقانونية والمدنية في قطاع غزة وإنهاء الحصار المفروض عليه. حقوق الإنسان وحوار الحضارات • أخيرا .. لماذا تم تغيير مسمى منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة التعاون الإسلامي.. ومتى سنرى للمنظمة دورا أكثر فاعلية لحل القضايا التي تواجه العالم الإسلامي؟ شهدت أعمال الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والذي عقد في عاصمة جمهورية كازاخستان أستانة، في يونيو 2011، إجماع الدول الأعضاء على قرار تغيير شعار واسم منظمة المؤتمر الإسلامي، ليصبح (منظمة التعاون الإسلامي) ليعكس القرار الجديد تحولا نوعيا في أداء المنظمة، وارتقاء كبيرا بفعاليتها كمنظومة دولية تعمل في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وجاء قرار التغيير بناء على ما ورد في المادة الحادية عشرة من برنامج العمل العشري الصادر عن قمة مكة الاستثنائية في ديسمبر 2005، بشأن «إصلاح المنظمة عبر إعادة هيكلتها والنظر في تغيير اسمها ومراجعة ميثاقها ونشاطاتها». وعبر مجلس وزراء الخارجية عن العمل الكبير الذي قامت به المنظمة في تعديل ميثاقها تعديلا شاملا أسفر عن إعداد ميثاق جديد للمنظمة، وبالتالي كان لابد من تغيير الاسم إلى اسم جديد يكون أكثر تعبيرا عن مهام المنظمة وأهدافها.