من الطبيعي وغير المستغرب أن تحصل خلافات بين الناس تعكر علاقات الأخوة والصداقة والمحبة، لكن من السيئ وغير المقبول استمرار حالة الشحناء والبغضاء والقطيعة إلى مالا نهاية، ولا ريب أن رحلتنا في هذه الدنيا قصيرة، ولا نعلم متى يتوقف بنا قطار الزمان، فبينما ابن آدم يعيش أسعد سويعات عمره قد تدق ساعة الوداع معلنة الرحيل بعيدا عن الأهل والخلان بل وعن كل معالم هذه الحياة، وقتئذ يود الذي دخل وقائع عالمه الجديد لو منح العودة لعالمه القديم عله يعمل صالحا يقربه من جنة النعيم زلفى، لكن هيهات له من رجوع فقد جفت الأقلام وطويت الصحف، والعاقل من اغتنم الفرصة في حينها، وعلم أن الأمد قصير، وأن حياة بعدها ممات لا تحتمل ما يكنه البعض من حقد وحسد وكراهية، وسوء ظن ربما يؤول إلى الظلم والتباغض والتناحر وإلى مالا تحمد عاقبته، وفي هذا الشأن يجب معرفة أن البشر عرضة للوقوع بالخطأ، فالنفس والشيطان يدفعان بنا نحو الزلل غير أنه في مقابل ذلك أنعم الله علينا بالعقل الذي بتحكيمه وتمرير أقوالنا وأفعالنا عليه نستطيع كبح شهواتنا، وفي حال الزيغ عن جادة الصواب فإن أبواب التوبة مفتوحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم «كلكم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، من هنا يتبين أن الخطأ هو الاستمرار في الخطأ، وعدم الإقلاع عنه. وفي هذا الزمن ولعدة أسباب أصبحت علاقاتنا يسودها شيء من الجفاء والقسوة، وينقصها كثير من التسامح والصفاء، فقد تجد الأخوين ولسبب دنيوي بسيط لا يتقابلان إلا مجاملة وفي مناسبات محدودة، والأمر عينه ينسحب على علاقات الأقارب والأصدقاء، وحتى نكون منصفين نحن هنا لا نعمم، فمجتمعنا ورغم تأثره بمعطيات العصر إلا أنه لا يزال متمسكا بدينه الحنيف وعاداته وتقاليده الأصيلة، وطالما أن الحديث من منطلق الإنصاف فلابد أن نعترف بأن ثمة أناسا ابتعدوا عن بعضهم رغم روابط الصلة التي كانت تقربهم، ولهؤلاء نقول: إن شهر رمضان شهر التوبة والغفران والعتق من النيران فرصة ذهبية قد لا تتكرر للبعض لفتح صفحة جديدة عنوانها التسامح والصفح طمعا بمغفرة ورحمة رب العباد، لذا يفترض أن يبادر المسلم أخاه بالابتسامة وانشراح الصدر ويطوي صفحة الماضي، فربما حاسد أو منافق أو جاهل هو سبب قطيعة دامت أيام وليال، ولا ريب أن إقبال أي طرف خاصة في شهر القرآن كفيل بإذابة كل ركام الجليد الذي بتر أواصر المحبة والإخاء والألفة، وختاما رسول الهدى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، إذا ديننا ينهانا عن الهجر فوق ثلاث ليال إلا في حالات معينة ومحدودة. م.عايض الميلبي