أحد الدعاة تكفكف وتصبب قائلا إن نسبة متعاطي المسكرات من المبتعثين وصلت إلى 80 في المائة، هكذا ومن غير تحرز أو تنبه لما لقوله من أثر على نفوس المبتعثين. ولا أعرف كيف استطاع تحديد هذه النسبة، فلماذا لم تكن 79 مثلا أو 83 مثلا، إلا إن كان يحمل جهازا كاشفا دار به على كل المبتعثين ونتيجة الكشف كانت هذه النسبة الواقفة على قدميها. وهناك دعاة يصبون يوميا الحكايات التي تشير إلى فساد أبنائنا لمجرد خروجهم من بلدهم؛ أي لو كانوا هنا لما فسدوا. حسنا، كل يوم والصحف تنقل لنا مداهمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتلاف كميات كبيرة من الخمور فهل يمكن القول إن 80 في المائة من الشعب السعودي يتعاطى المسكرات؟ المكان ليس دليل صلاح أو فساد، والمرتكب للمنكر يقدم على فعله في أقدس الأماكن، والعازف عن المنكر يحجم عنه في أقذر الأماكن .. وهذه مسألة ليست في حاجة إلى براهين بل وجود المنكر أمامك هو الاختبار الحقيقي لقوة إيمانك. إذا المسألة ليست لها علاقة بالمكان بقدر تعلقها بدرجة إيمانك من أفعل أو لا تفعل. ونحن في حياتنا لا نستطيع ممارسة أفعال الأمر أو النهي على أبنائنا طوال العمر، مهمتنا الأساسية تربيتهم وتحصينهم إلى سن معينة بعد ذلك كل منهم يعيش حياته وفق القيم التي تشربها. وهجمات المعترضين على الابتعاث الخارجي يسعون جاهدين إلى إبطال المشروع الحضاري بمثل هذه الحجج، مدعين أن في خروج أبنائنا هو دفع إلى ارتكاب الكبائر وإن كان هذا المنطق سليما من وجه نظر الداعية أولم يسمع بالأعداد التي تتعاطى المخدرات في الداخل، أولم يسمع بحوادث الدعارة أولم يسمع بالجرائم التي تحدث. فهل المكان منع وقوع الجرائم؟ وأعود وأقول إن المكان وعاء تختلط فيه عناصر مختلفة ما ينتج من منكر من بعضهم لا يعني بالضرورة أن كل العناصر فاسدة. ولهذا ورحمة بنا وبأبنائنا وبالمشروع الحضاري أن نحسن القول أو لنضع حجرا في أفواهنا يوقف سيلان المنكر الحقيقي الذي يقع على الناس من أفواه بعض الدعاة على الأقل تمثلا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (قل خيرا أو اصمت) .. يا أخواننا اصمتوا ذبحتمونا بما تقولون. ولو أن هؤلاء الدعاة أحسنوا الظن بأولادنا الذين تربوا في أحضاننا وتغذوا بنفس القيم التي يؤمن بها هذا المجتمع لكان الابتعاث النعمة المحمودة التي يستطيع فيها أبناؤنا نقل قيمنا النبيلة إلى مشارق الأرض ومغاربها .. لكن هجوم بعض الدعاة المريع على الابتعاث والمبتعثين يؤكد أننا مجتمع فاسد والأفضل أن نبقى داخل إطارنا المكاني وأن لا نخرج لكيلا نفضح أنفسنا بممارسة ما نمارسه هنا أمام خلق الله. !!Article.extended.picture_caption!!