قبل أسبوعين تقريبا كتبت مقالا حول ما يظهر من التضاد بين إملاءات العقل وإملاءات القلب، وكيف أن كثيرا من الناس الذين يعدون أنفسهم من العقلاء يبادرون إلى الاستجابة لما يصفونه بإملاءات العقل ويقمعون ما هو ضده من إملاءات القلب. وهم يفعلون ذلك لإيمانهم العميق بأن ما هو من إملاءات العقل لابد أن يكون فيه الصواب، فالعقل في ظنهم لا يخطئ ولا يغش أو يخدع، وليس كذلك القلب. وقد بدا لي موقف الناس هذا من العقل والقلب خاليا من أية دعامة علمية تسنده سوى ما تعارف عليه الأغلبية من أن العقل لا يأمر إلا بخير وأن القلب لا يأمر إلا بالهوى المملوء بالشر. وهو في ظني خلل في الحكم، فنحن لا نستطيع أن نبرهن على أن كل إملاءات العقل صواب وكل إملاءات القلب باطل وذلك لأننا في بعض الأحيان يلتبس علينا الأمر فنلبس إملاءات القلب مبررات عقلية لننسبها إليه والعكس أيضا صحيح، ونحن نفعل ذلك أحيانا بوعي، وأحيانا بدون وعي. على أية حال، لم يكن هذا هدف المقال، المقال كان يتساءل عما يجعل الناس يجزمون أن الصواب والنفع فيما يأمر به العقل، وأن ما يصدر عن القلب هو (هوى نفس) ملؤه الضلال والضر؟ هذه الفكرة شائعة في الثقافة العربية القديمة والحديثة، وشيوعها في الثقافة قد يفسر لنا ما نراه ظاهرا في صفات كثير من الناس من صلافة وقسوة وتجهم، فعندما تسحق المشاعر وتكبت العواطف ويخمد نبض القلب، ما الذي يتبقى أمام الإنسان سوى الغلظة والتجهم؟ لكن أحد قراء أفياء المخلصين المحامي عبدالله العقلا، بعث إلي بتعليق يقول فيه إنه لا تضاد بين إملاءات العقل والقلب ويذكرني بالآية الكريمة «أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» هو يرى أن هذه الآية تفيد أن العقل والقلب «واجبهما ورسالتهما ونتاجهما واحد فهما ليسا بضدين ولكنهما يؤديان توجيها مشتركا». ومع شكري الخالص للمحامي عبدالله على إضافته الغنية، إلا أني لم أستشهد بالآية لأن المفسرين يرون القلب جاء فيها بمعنى العقل، وليس بالمعنى الذي نشير به إليه مصدرا للعواطف والمشاعر. ولولا ذاك لكان في هذه الآية أوفى دليل على أن القلب قادر هو أيضا على التمييز والمعرفة، فالقلب كما يظهر في الآية بإمكانه أن يعقل الأشياء ويدرك الحقائق ويميز بين الحق والباطل. وبعيدا عن مصطلحات (العقل) و (القلب)، تظل مشكلة المقال قائمة لا تجد إجابة شافية. لم تمتلء ثقافتنا العامة قديمها وحديثها بالاعتقاد أن ما يرتبط بالتفكير أعلى قيمة وأقرب إلى الصواب مما يرتبط بالمشاعر؟ وإلى أي مدى أثر هذا الموقف الثقافي على طبيعة حياتنا وعلى نوع تعاملاتنا مع بعضنا البعض؟ فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة