عندما يؤمن الأتباع في رأي يطلقه المتبوع تكون حماستهم شديدة ودفاعهم مستميتا عن فكرة المتبوع، حتى وإن لم توافق قناعاتهم التي لا يملكون الشجاعة الكافية للتصريح بها. ويخلق هذا حالة تطرف تصنعها الجماهير ويضطر مطلق الفكرة مجاراتها حتى لا يفقد مكانته، ويغريه ذلك لصناعة مواقف متشددة جديدة ترضي الأتباع الباحثين عن قضية يمنحونها ولاءهم ويجعلونها سيفاً مسلطاً على المخالف. يظهر ذلك في مواقف كثير من الشباب المتحمسين من قضايا مختلفة مثل قيادة المرأة للسيارة والابتعاث وعمل المرأة وموضوعات أخرى تظهر وتتوارى بين الفينة والأخرى. يبدو أن التكفير ينطلق من هذه النقطة، إيمان برأي «الشيخ» ثم الطعن في المخالف وإقصاؤه وتسفيه رأيه وتصل في النهاية إلى تكفيره وإخراجه من الدين، يلمس هذا التشنج كتاب الصحافة الذين تردهم عشرات الرسائل من هؤلاء المتحمسون تعترض على مقالات أو أفكار طرحها الكاتب، في كثير منها رد على العنوان! لأن المنافح عن رأي شيخه لم يقرأ سطراً واحداً من المقال، ويمطر الكاتب بالشتائم والألفاظ النابية وبالتفسيق والتخوين. لماذا؟ لأن صورة الصحافة في ذهن الشاب ركزها شيخه على أنها تستهدف العقيدة وتهدد التوحيد وتدعو للتغريب! هؤلاء الدعاة يرتكبون جرائم بحق الوطن في زرع الفتنة ومحاولة تقسيم المجتمع إلى فئات والدخول في صراع تيارات فكرية لا صوت فيه للفكر بل للعصبيات والتطرف. اليوم نحن بحاجة إلى الحوار الوطني الذي أطلقه مركز الملك عبدالعزيز وكان مثمراً في بداياته إلى أن أضاع وجهته وأهدافه، الوقت يمضي ونحن نضيعه في سجالات تافهة لا تخدم الوطن الذي اختزلنا قضاياه بقيادة المرأة وتعليمها وحجابها وعملها! أجزم أن المشتركات بيننا كثيرة، ولكن المشكلة أن كل طرف يعيش في واد والمشكلة الأكبر أن الدعاة بخطبهم ورسائلهم وفتاواهم يظهرون جهلا بطريقة تفكير المجتمع ومستوى وعيه، وهذا يستدعي عقد جلسات حوار تفتح فيها الملفات المعلقة ليقول الجميع رأيه. لا أحد يريد انتقاص قدر رجال العلم الشرعي والاختلاف بالرأي ليس عداء شخصيا، ومن حق الجميع أن يقولوا رأيهم بلا وصاية ولا قيود في إطار الشريعة والقانون، مع مراعاة المصالح الوطنية. [email protected]