قمت بزيارة صديق تسنم قريبا منصب مدير إدارة خدمية، وأثناء الحديث دخل أحد موظفيه يخبره بأن الموظف الفلاني (كان سأل عنه المدير) قد خرج، فقلت له وبشيء من الاستغراب كيف خرج دون علمك؟، واستدركت بأني تطفلت فقلت بصيغة أخرى لا بد أنك كلفت أحد الموظفين يتولى مهمة (الاستئذان)، فأجاب المدير وقد غشيته ابتسامة عريضة ملؤها الزهو، الكل هنا مدير!، فقد منحتهم الثقة في هذا الشأن تحديدا وقلتها صراحة في أول يوم من مباشرتي .. أي موظف يضطر للخروج يأذن لنفسه على أن يعود مجرد قضاء لزومه شريطة ألا يؤثر خروجه على سير العمل بمعنى أن يكون هناك تنسيق بين الزملاء واستطرد .. هذا الأسلوب الإداري استنسخته من صديق يدير قرابة سبعين موظفا في إدارة مشابهة لإدارتي، وقد حقق ولا يزال نجاحا لافتا .. قاطعته (مضطرا) لأنه أراد الإسهاب بموضوع أساسا غير علمي ويفتقر للمنطق والموضوعية، فقلت أنت استنسخت هذا الأسلوب أو التوجه لمجرد أنه حقق النجاح وربما التميز بإدارة أخرى، لكن ألم تسأل نفسك هل موظفو تلك الإدارة يماثلون موظفيك ويتماهون معهم (الثقافة، الدرجة العلمية، القدرات، التنشئة .. إلخ) . مغزى القول إن الفروق الفردية هي التي تحكم وإن شئت تتحكم في تركيبة أي منظومة عمل فثمة موظف لمجرد أن يعطيه المدير الثقة والتقدير يبادر سريعا بلا كلل أو ملل لمضاعفة مجهوده وتكون غايته الأسمى أن يحظى بحسن ظن مديره .. وبكلمة أوضح فهو يثمن الثقة والتقدير وهذا بالفعل يستحق وجدير بأن يكون مدير نفسه، في المقابل هناك من يستغلها أي الثقة أسوأ استغلال، فتجده يوظفها لحسابه فهو والحالة تلك لا يتوانى بالخروج من العمل لسبب ومن دونه فحسب طويته وتفكيره القاصرين فرصة سانحة من العبث تفويتها!، كررت من جديد أن نجاح هذا الأسلوب الإداري وأي أسلوب آخر (نسبي) يعتمد بالدرجة الأولى على نوعية الموظفين .. يبدو أن صديقي المدير امتعض قليلا كأن كلامي لم يعجبه أو بمعنى أصح لم يقنعه، فعاجلني قائلا عموما سوف أطبق هذا الأسلوب لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وكلي ثقة بنجاحه، فتمنيت له ذلك وقبل أن أغادر داهمني فضول للتعرف على (مبتكر) هذا الأسلوب، وكان لي ذلك فقد زودني باسمه والإدارة التي يترأسها، واستأذنته بالمغادرة بعد أن وعدني بموافاتي بما يتمخض عنه أسلوبه، في اليوم التالي ذهبت لذلك المدير وبعد ديباجة التعارف شرحت له سبب الزيارة فضلا عما دار من حوار مع صديقه الذي استنسخ أسلوبه فضحك دون أن يعلق، ولعلي استشفيت من ضحكته نبوءة فشل أسلوب صديقه، لأنه كما ذكرت غير مبني على المقومات الأساسية لتفعيله وأقصد الموظفين، وثمة جانب على قدر من الأهمية تحفظت الإشارة له آنذاك خيفة إحراجه (المدير الأول) ألا وهو شخصية المدير (الكاريزما)، ولنضرب مثلا للإيضاح إذا كان هناك مدير شخصيته لا توحي بالهيبة والصرامة (ضعيف) وموظفوه أو قل أغلبهم غير جديرين أصلا بالثقة النتيجة (وهذا مؤكد) سوف يفسر ذلك المنحى على أنه ضعف من المدير لغرض استرضائهم واستمالتهم وليس من قبيل الأريحية وتكريس الثقة وروح المسؤولية والمحصلة التسيب، أما إذا كان المدير يتسم بكاريزما قيادية (تنطبق على المدير الأخير) سوف يتسيد الاحترام والتوجس والذي يفضي بالضرورة للانقياد لتوجيهات المدير، دعك إذا كانوا أي الموظفين جديرين أصلا بهذا المعطى .. جلية القول من الخطأ الحكم على أي أسلوب إداري دون النظر لنوعية الموظفين وبالتوازي شخصية المدير فهما معيارا النجاح من عدمه بالمناسبة وهذا يؤكد صحة الطرح. لقد اتصل بي صديقي (المدير الأول) قبل أقل من شهر من مقابلتنا يخبرني أن أسلوبه (المستنسخ) فشل فشلا ذريعا، فذات مرة حسب قوله جاء للإدارة الساعة العاشرة صباحا ووجدها خاوية إلا من موظف واحد فقط، وبمقتضاه ألغي هذا الأسلوب وعمم على الجميع بأن الاستئذان منه شخصيا وفي الحالات القصوى .. أشكر صديقي المدير على شجاعته، فكونه اعترف بفشل أسلوبه دليلا على حصافته وسعة أفقه. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة