تحت تأثير 60 طنا من المتفجرات يوميا، ينتفض غبار المنازل العشوائية في مكةالمكرمة المبنية دون قواعد أو أساسات في مدينة هي أكثر استخداما لكمية المتفجرات في المحيط السكني على مستوى العالم، ما استدعى إلزام الشركات العاملة بالمشاريع تحديث آلياتها وأجهزة القياس من أجل تقليل امتداد الهزات الناتجة عن التفجير. «عكاظ» تحاول في الرصد التالي وفي جولة ميدانية كشف حقيقة التفجيرات، وكيف أن مكةالمكرمة توصف أكثر دول العالم استخداما لمتفجرات لا تهتز بالحس المجرد دون أجهزة خاصة للإحساس ولجت من أكبر مشروع في القطع الصخري العملاق الصامت. ما تشهده مكةالمكرمة في السنوات الأخيرة من تسارع للنمو العمراني الكبير والمشاريع المتعددة للسير قدما بهذه المدينة إلى العالم الأول، وذلك لما حباها الله من وجود المسجد الحرام فهي الوجهة لكل المسلمين، وذلك ما حدا بها بأن تكون الأغلى روحيا واقتصاديا. المشاريع الكبرى لم توقفها الطبيعة الطبوغرافية لتحل محلها مبانٍ شاهقة بأرقى التصاميم الهندسية وطرق تساعد على انسيابية الحركة وأنفاق تختزل المسافات وتأسيس وتوسيع البنية التحتية، ما اضطر الإنشائيين لاستخدام المتفجرات المدنية الآمنة؛ أسوة بكثير من دول العالم الرائدة في هذا المجال وذلك لتدفع بدورها عجلة التنمية. الاختصاصيون في مجال التفجيرات العام يؤكدون أن المشاريع الحكومية والأهلية في المحيط وداخل الأحياء السكنية كانت المعادلة الصعبة للجمع في ما بين قطع الصخور والجبال للمضي بالتنمية والإبقاء على سلامة المنشآت المأهولة وحفظ الأرواح والممتلكات. وكان هاجس تحقيق المعادلة في هذا الجانب من التحديات التي فرضت نفسها للخروج بحل أحجية الجمع بين الأمن والسلامة والنماء والبناء من خلال التجربة والبحث في منهجية مناسبة، مما وصل بهذا الجانب إلى أرقام قياسية عالمية، حيث يصل مجموع استخدام مكةالمكرمة من مواد التفجير إلى 60 طنا يوميا وبما يزيد على 40 موقعا جلها داخل النطاق العمراني، بل تجد العمل في محيط المباني بمسافة أمتار؛ كيف يمكن تحقيق قطع الصخور وتسوية الجبال مع سلامة المنشآت، وكيف يمكن معرفة مدى إمكانية سلامة المجاورين مع مواد متفجرة، وما مدى حماية البنية التحتية والفوقية والأرواح والممتلكات مع التفجير في محيطها. مشروع تاريخي في مواقع عدة لمشاريع التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي الشريف التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رافقت «عكاظ» مهندسين من الموقع في مجال التفجير، حيث أوضح أحد المهندسين في الموقع بأنه جرى قطع وترحيل ما يزيد على ستة ملايين متر مكعب من الصخور، وينتظر أن تصل الكمية إلى عشرة ملايين متر مكعب وإلى أنه يقطع ويرحل يوميا نحو 30 ألف متر مكعب ما يعادل حمولة أربعة آلاف شاحنة وبمواد متفجرة تصل إلى 60 طنا يوميا، حيث يوجد في المشروع سبعة أنفاق يجري العمل فيها حاليا، بالإضافة إلى أعمال سطح الأرض في مشروع الساحات الشمالية. ويوضح المهندس مدني الشريف، أحد مهندسي التعدين وخبراء التفجير، أن من ضمن الإجراءات الفنية التي تؤمن بها سلامة الأعمال من الإضرار بالمجاورين، تبدأ من المهنية والجهات المختصة التي تفرض وسائل أمن وسلامة صارمة، حيث يتم التعامل مع مواد متفجر عمياء. وأضاف الشريف أن عدد المفجرين المدنيين في مكةالمكرمة بالعشرات غير أنه محدد، وبصعوبة يتم المواءمة بين كثرة المواقع وتعدد التفجيرات لليوم الواحد ولم تسجل هناك حادثة، رغم أن هذه مهنة ونسبة الخطأ البشري وارد في أية مهنة مهما بلغت دقتها وإتقانها، مع أن مكة هي الأولى عالميا للكميات المستخدمة يوميا ضمن نطاق الأحياء السكنية وهذه ميزة جديدة لمكةالمكرمة. وعن الأخطاء المحدودة، أوضح الشريف أن حزمة إجراءات تتخذ في هذا الجانب، منها سحب رخصة مزاولة النشاط وإعادة التدريب والتأهيل من ثلاثة أشهر إلى استبدالها بدرجة أقل تمنع العمل داخل المدن، وتصل كذلك إلى التدريب لستة أشهر إضافية لإعادة الاختبار، واستمرارا لهذه الإجراءات قد تستبعد كليا في حالات متقدمة تنشأ من الإهمال. وعن الإجراءات التي تتخذ لمنع حدوث الأخطاء أثناء تنفيذ التفجيرات، أشار المهندس الشريف إلى استخدام كافة المعايير العالمية للسلامة، بالإضافة إلى ما استحدث من ضوابط في مكةالمكرمة من واقع الحاجة والممارسة ومنها استخدام مواد التفجير المدني التي تعد أقل نوعا بمواصفات عالمية ثابتة الأمان، فهي لا ترقى لسرعة وقوة مواد التفجير القديمة وهذه المواد هي المعتمدة والمرخصة من وزارة الداخلية والأمن العام ومصنعة خصيصا من شركة سعودية مصرح لها من وزارة الداخلية ومصنعة لهذا النوع من الأعمال، وهي آمنة بشكل كبير في النقل والتخزين والاستخدام، وكذلك يتم استخدام نظام الفواصل السطحية، وهو ما يسمى بالتأخير بحيث يعمل كل خرم عن الآخر بفاصل زمني جزء من الثانية وبذلك يعمل العشرون كواحد، بالإضافة إلى تقليل الشحنة إلى الحد الذي لا يؤثر لتناثر الصخور أو الاهتزاز مع تقليل العدد المطلوب تشغيله في كل مرة ووضع أخرام فاصلة دون المباني المجاورة لتفريغ موجة الاهتزاز، ووضع جهاز قياس درجة الاهتزاز عن أقرب منشأة لملاحظة الاهتزازات. مخاطر المهنة وحول مخاطر المهنة، يبين الشريف أنه لا توجد مخاطر محدقة في حال العمل باشتراطات الأمن والسلامة وملاحظة ومراعاة جوانب السلامة، غير أنه يحدث أحيانا، بعد تلك الإجراءات، أن تكون الصخور غير متجانسة مما يسبب خللا مربكا قد يحدث لأمتار أو أن تخرج رمال وحصى في محيط الموقع وهي نادرة الحدوث. وأفاد الشريف أن كثيرا من الناس متفهم ويعلم بأن العمل يتم وفق آلية هندسية، وقليلا ما نجد من يتخوفون من طبيعة أعمالنا، حيث لا تلومهم فالمرء عدو ما يجهل، ولكن بشرح ما يتم وبمجرد ملاحظة العمل. فاليوم تبدأ المخاوف، خصوصا أن تأثير أعمالنا أقل بكثير من تأثير المعدات الثقيلة من الاهتزاز طوال النهار. وعن الإجراءات الإدارية في عملهم يقول: هي ضمن مصوغات طلب التراخيص التي يسبقها إجراءات أمنية إدارية وإحضار إثبات الملكية وترخيص البلدية موضح بالإحداثيات، وكذلك تقرير هندسي استشاري بآلية العمل وخطة التنفيذ، مضيفا: المنفذ يتحمل ما قد ينتج من أضرار بشرية أو مادية، وتعهد بضوابط العمل الحذر وكذلك وجود كروكيات هندسية معتمدة وأخيرا خطابات موافقة الجهات المعنية، بالإضافة للتقارير اليومية للمشرفين الميدانيين بالجهة الأمنية المختصة الموثقة بصور فيديو بكامل موقع الكمية والدفاعات ودرجة الاهتزاز والعاملين به وتحريز تلك المواد بأرشيف إلكتروني يمكن الرجوع إليه عند أية شكوى أو ملاحظة لدى الجهة الأمنية المعنية. من جهته، أكد المتحدث الرسمي لشرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان أن شعبة الأسلحة وإبطال المتفجرات تملك كوادر فنية وخبراء عالميين وليس فقط محليين تحت إدارة العقيد صالح الغامدي مدير الشعبة وكافة الضباط والأفراد بعد تدريب عملي ونظري محليا وخارجيا عبر برامج الابتعاث التي تنفذها وزارة الداخلية لهذا الخصوص، ما مكن مكةالمكرمة من تحقيق أرقام قياسية وخبرات تحاكي في التعامل مع الكمية الأكبر من المتفجرات بسبب ما تشهده مكةالمكرمة من مشاريع ضخمة حولتها إلى ورشة عمل متكاملة على مدار العام، لذلك فإن مستوى الأمان عال جدا وفق الاحترازات التي تتخذها الشعبة وتفرضها على كافة الشركات والمقاولين العاملين في المشاريع المستخدم فيها مواد التفجير، مشيرا إلى أن أجهزة قياس الاهتزاز معروف عالميا فالدرجة المسموح لدى المهندسين الاستشاريين ولدى الجهات الرسمية 50 درجة وما زاد عنها يعتبر خطرا وفق النسبة والتناسب. واستدرك القول: غير أن الجهة المختصة في الأمن العام وهي شعبة الأسلحة وإبطال المتفجرات لاعتبارات الأمن والسلامة ولملاحظة ما قد يوجد من منشآت قديمة، تشترط أقل درجة اهتزاز بما لا يزيد على خمس درجات؛ أي بأقل من عشرة أضعاف من الدرجة المسموح بها عالميا وفق المعايير الهندسية، وهذا سر سلامة العمل بالأحياء السكنية وهو ما يسمى بالحذر. وعن المباني التي يلحقها الضرر، يؤكد الميمان وجود إلزام للمتعهد في الموقع بإصلاح الضرر أو إخلاء المباني من السكان على نفقته الخاصة لحين الانتهاء من العمل في المشروع مع وقف التفجيرات في معظم المواقع الموجود فيها مدارس وخلافها أوقات الذروة، ويتم التعامل مع كل الشكاوى في هذا الخصوص.