لم يجد محمد اللقماني أمام حالات الفزع التي تنتاب أطفاله بسبب دوي تفجيرات الصخور التي تنفذها الشركات العاملة لتشييد المشاريع الضخمة حول الحرم المكي، سوى بيع داره في حي «أجياد» والانتقال بأسرته إلى منزل في حي «العوالي» جنوب العاصمة المقدسة. ويقول: «على رغم فرحتنا بتلك المشاريع الهادفة إلى الرقي بالمنطقة وخدمة الجميع، إلا إنني لم أستطع تحمل حالات الخوف التي تصيب صغاري كلما دوى صوت تفجيرات الألغام لتفتيت صخور الجبال لشق مشروع يفيد الناس، فضلاً عن أنها تؤثر سلباً على أساسات البيوت القديمة وربما تتسبب في سقوطها». وأضاف : «أنا لست الوحيد الذي عانى من تلك الأعمال، فغالبية سكان الأحياء المتاخمة لتلك المشاريع يعيشون وضعي، وأعرف زملاء لي يقطنون في مناطق الحفاير والغزة والمسفلة يفكرون بالرحيل إلى الأحياء البعيدة عن مسرح تلك العمليات»، مشيراً أن معاناتهم لم تقتصر على الإزعاج الصادر من تلك التفجيرات، بل امتدت إلى تدفق الشاحنات التي تعمل في المشاريع إلى أحيائهم بكثافة، وهو ما يسبب إرباكاً في حركة السير واختناقات المرور. وأيد المواطن فضيل الحندلي ما ذهب إليه اللقماني حول انزعاج الأهالي من التفجيرات التي تحدثها الشركات العاملة في المشاريع التنموية المتاخمة لأحيائهم، مشيراً إلى أنهم في الوقت الذي يرحبون فيه بأي مشروع يهدف إلى التطوير، إلا أنهم يعانون كثيراً من دوي الانفجارات والأضرار التي قد تلحقها بمنازلهم. وقال: «دوي التفجرات حرمني من هواية أمارسها يومياً وهي إطعام الحمام المحيط بالحرم المكي، إذ اختفت نسبة كبيرة منها منذ أن بدأت الألغام بالعمل على شق وتفتيت الصخور لمصلحة المشاربع التنموية المهمة في المنطقة»، مطالباً من الجهات المختصة أن تبحث عن وسائل أخرى لتنفيذ عملها تريحهم من الإزعاج الصادر من الألغام. بدوره، أكد أحد سكان محلة أجياد إبراهيم بخاري أن الأهالي المتاخمين للمشاريع التنموية يدخولون في حال من الخوف والرعب بمجرد سماع عمليات تفجير الألغام الأرضية للصخور، مشيراً إلى أنهم يعيشون في فزع شديد لهول ضجيج الصوت واهتزاز كل أركان المساكن في لحظة واحدة. وذكر أن الفزع يستمر لدقيقتين، ويتكرر مع كل عملية تفجير، مفيداً أنهم لم يستطيعوا التأقلم على الوضع والتعايش معه على رغم مضى سنوات عليه. وعلّق أحمد هاشم على حالهم بالقول: «كثيراً ما يستغرب أقاربي الذين يقطنون في أحياء بعيدة، من تشبثنا بالسكن في المناطق المتاخمة للمشاريع وعيشنا تحت الرعب الذي تسببه تلك التفجيرات، فضلاً عن تأثيرها السلبي على أساسات منازلنا»، لافتاً إلى أنهم كثيراً ما طالبوهم بالرحيل عن مناطق الإزعاج. ورأى أن أعمال التفجير للقطع الصخري كشفت ضعف قوة البنية للسواد الأعظم للمنازل والمباني القديمة المتاخمة لتلك المشاريع، مفيداً أن العائلات أصبحت تترصد وتراقب لحظات تفجير الألغام لتتعايش مع لحظات الضجيج ودوي التفجيرات الذي يصيب بالهلع. إلى ذلك، أكد المقاول محمد بن سليم الحربي أن أي عمل يتعلق بأعمال البناء والتشييد ينتج منه وقوع حوادث، لاسيما مجالات القطع الصخري التي تحتاج إلى دقة في تنفيذها كونها ذات حساسية بالغة، وتعتمد على الخبرة والمهارة المتقنة للأيدي العاملة المشغلة. وأفاد أنه على رغم التزام الشركات العاملة بوسائل السلامة، إلا أن ذلك النشاط لا يخلو من وقوع خطأ، معتبراً الخطأ في ذلك المجال بالغ الخطورة ومكلف جداً، لافتاً إلى أن الكثير من شركات مقاولات أعمال القطع الصخري في العاصمة المقدسة تحولت إلى النشاط المعماري للبناء والتشييد، «لأن أنشطة القطع الصخري محفوفة بالمخاطر». في المقابل، أفاد رئيس مجلس إحدى شركات المقاولات نايف المضايفي ل«الحياة» أن متخصصين في جامعة الملك عبدالعزيز وضعوا خططاً لتنفيذ القطع الصخري والتفجيرات لإنجاز مشروع تطوير مستشفى أجياد، مشيراً إلى أنهم يشرفون على تلك الخطط بدقة. وأوضح أن الشركة تستخدم أنظمة رادارية إلكترونية لأول مرة في السعودية للكشف والقياسات الدقيقة وإعطاء القرارات لحركة الكثافة والسير، مشيراً إلى أنها من التقنيات الحديثة والمتطورة التي استخدمتها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وذكر أنهم تعاقدوا مع شركة أميركية للتزود بتلك التقنية الحديثة واستخدامها في مجال وأعمال القطع الصخري بكلفة ثلاثة ملايين ريال، موضحاً أنها عالية الجودة ومتطورة لكشف وقياس موجات الميول والهبوط والاهتزازات حتى درجة تأثير البرودة وقياس تأثير قوة الرياح. بدوره، أكد مدير مرور العاصمة المقدسة العقيد أحمد بن ناشي العتيبي ل«الحياة» انخفاض تذمر المواطنين في مكةالمكرمة من ازدحام حركة السير في الشوارع الرئيسة والطرقات في المناطق المحيطة بالحرم المكي الشريف بالشاحنات الكبيرة وسيارات النقل والمعدات. وبيّن أن أجهزة المرور عمدت إلى تنفيذ خطة طوارئ للسير، نزولاً عند رغبة المواطن والإنصات لمعاناته، تفادياً لوقوع حوادث السير المرورية والاصطدامات مع تلك الشاحنات، مشيراً إلى أنها حققت نجاحاً باهراً وحدت من الاختناقات المرورية. وحضّ العقيد العتيبي المواطنين على التروي والتحلي بالصبر وبذل العون في سبيل تحقيق أقصى درجات السلامة والأمان على الطرق، لافتاً إلى أن الشاحنات التي يشكون منها تعمل على تنفيذ مشاريع تطويرية يستفيد منها الجميع، وتسهم في إحداث نقلة تنموية في العاصمة المقدسة. بدوره، ألمح الناطق الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة الرائد عبدالمحسن الميمان ل«الحياة» إلى أنهم فرغوا أخيراً من تحقيقات حول تأثر واجهة أحد الفنادق، بدوي تفجيرات الألغام التي تنفذها شركات المقاولات في المناطق المتاخمة للحرم المكي، مشيراً إلى أن الأضرار كانت بسيطة وهي حادثة عرضية.ولفت إلى أنهم على أتم الاستعداد للتعامل مع أي أضرار تنجم عن تفجير الألغام، مؤكداً أنها قليلة جداً، ولم يصلهم سوى بلاغ واحد عنها.