الليل وسكينته، والخلود إلى فراش الراحة دون ما يكدر صفو المبيت في مساءات مكةالمكرمة، أمور يفتقدها أهالي حي "جرول" بالعاصمة المقدسة، فهؤلاء ما إن يخلدون إلى أسرّتهم البيضاء بعد عناء يوم طويل، ناشدين راحة جسدية ونفسية، إلا وتقض مضاجعهم أصوات الانفجارات، وكأنها نذر حرب مقبلة! تفجيرات ليلية هذا الفزع الليلي المقلق، يشير عدد من أهالي الحي بأصابع الاتهام حوله إلى ثلاث جهات حكومية، اتهموها ب"التنصل من مسؤولياتها، تجاه إلزام الشركة المنفذة لمشروع النفق الأرضي المؤدي من جرول إلى الساحات الشمالية للحرم الشريف، بتوفير وسائل السلامة عند التفجير الصخري، وإجراء التفجير في الفترة الصباحية"، فالعاملون على شق النفق، لا يروق لهم تفجير الأحجار الصلدة، إلا والناس نيام! حيث أكد الأهالي في حديثهم مع "الوطن" أن "الشركة المنفذة للمشروع، تقوم بعملية التفجير بدءا من الساعة الثانية فجرا. وتستخدم مواد ذات أصوات قوية، وتحدث اهتزازات في المباني". ما من مجيب الأهالي الذين لم يرق لهم الحال، وفي سعيهم للخلاص من "الكابوس" الليلي، عمدوا إلى "تقديم شكاوى لإدارة الدفاع المدني، وشرطة العاصمة المقدسة، وأمانة العاصمة المقدسة، لمنع الشركة من التفجير في الفترة المسائية، واستخدام مواد لا تحدث اهتزازات قوية عند التفجير". مشيرين إلى أن عمال الشركة أخبروهم أن "هناك مواد إذا تم استخدامها في التفجير، لا تحدث صوتا مرتفعا، ولكن هذه المواد سعرها مرتفع جدا، ولذلك الشركة تستخدم مواد أخرى، أقل سعرا". "معاناة الأهالي بدأت منذ البدء في إزالة العقارات الواقعة ضمن نطاق المشروع"، يقول عمدة "جرول" سليمان الرحيلي: "إن انتشار الأتربة تسبب في ارتفاع معدلات الأمراض الصدرية. وما زاد الطين بلة أعمال التفجير التي تتم في الليل، في الوقت الذي يخلد فيه السكان للنوم والراحة". سهر قسري عبدالمنعم المحمادي، يروي قصة هذا السهر الليلي القسري، مبينا أن "الأهالي يعانون منذ أكثر من شهر، بسبب التفجيرات التي تقوم بها الشركة المنفذة لمشروع نفق المشاة، المؤدي من جرول إلى الساحات الشمالية للحرم الشريف، التي تصر على القيام بأعمال التفجير في آخر الليل لتحرم الأهالي من لذة النوم، الأمر الذي أثر على تحصيل الطلاب والطالبات، وتأخر الموظفين والموظفات عن أعمالهم بسبب قلة النوم". مؤكدا أن "الأهالي تقدموا بشكاوى لكل الجهات المعنية، ولكن دون جدوى". مستغربا من "استخدام الشركة لمواد شديدة التفجير، تؤدي إلى حدوث اهتزازات شديدة في المباني أدت إلى سقوط النوافذ الزجاجية، وتعرض بعض المباني لبعض التصدعات والتشققات، حتى إن بعض المستأجرين هجروا منازلهم، واتجهوا إلى أحياء أخرى". وهو الأمر الذي يؤكده أبو إبراهيم المحمادي، كاشفا عن أنهم حاولوا مع عمال الشركة، قصر التفجير على الفترة الصباحية، ولكن لم يصلوا إلى نتائج مفيدة. مسؤولية المرخص من جهته، حمل شعبان السيد، الجهات المعنية بالتراخيص للشركات المنفذة للمشروعات، مسؤولية ما يتعرض له أهالي جرول من معاناة بسبب التفجيرات التي أيقظتهم من النوم، وأدت إلى غياب العديد من الطلاب والطالبات عن مدارسهم، مطالبا ب"تدخل الجهات المعنية لمنع التفجير في الفترة المسائية"، متسائلا "هل من المعقول أن يتم تفجير الصخور في وقت يهجع الناس فيه للنوم؟". الناطق الإعلامي بالدفاع المدني في العاصمة المقدسة، المقدم علي المنتشري، أوضح أن "الترخيص للشركات التي تقوم بأعمال التفجير من اختصاص إدارة الأسلحة والمتفجرات، وهي التي تحدد الكميات التي يتم استخدامها، ولديهم بيان باشتراطات السلامة، الواجب توفرها في الموقع المراد تفجيره، أو القيام بأعمال القطع الصخري، وأي مخالفة يتم رصدها تعالج من قبلهم". مشيرا إلى أن "فرق الدفاع المدني تقوم بجولات على بعض المواقع للتأكد من توفر اشتراطات السلامة". لا شكاوى! وفي سياق متصل بوضع الأهالي في حي "جرول"، أكد الناطق الإعلامي بشرطة العاصمة المقدسة، الرائد عبدالمحسن الميمان أن "الشرطة لم تتلق أي شكوى من الأهالي". مبينا أن "الترخيص للشركة التي تقوم بأعمال التفجير والقطع الصخري، يتم من قبل إدارة الأسلحة والمتفجرات، وهي التي تحدد المواد التي يتم استخدامها في أعمال التفجير، والكميات والأنواع، وكل الشركات تلتزم بالاشتراطات المحددة، وإذا كان هناك تجاوز يتقدم الأهالي بشكوى، ويتم النظر فيها وفقا للإجراءات المتبعة". فترة محددة وعن التفجير في آخر الليل، قال الرائد الميمان. إن "أعمال التفجير هي لفترة محدودة، والشركة المنفذة تلتزم بالشروط، والتفجير يتم في أوقات محددة، وطبيعة سير العمل في المشروع تتطلب التفجير في بعض الأوقات، وقريبا تنتهي معاناة الأهالي مع التفجيرات". من جهته تحدث منسق مشروع تطوير الساحات الشمالية للحرم الشريف، المهندس عباس قطان، مبينا أن وتيرة العمل في المشروع "تسير بشكل جيد، بعد الانتهاء من إزالة كل العقارات الواقعة في مسار النفق الممتد من جرول إلى الساحات الشمالية".