لم يعد ما تقدمه الكثير من الفضائيات العربية يلامس عقلية المتلقي العربي ويحترم فكره وثقافته، أو أيضاً تخصص مساحة مقبولة للتعريف بقيم وفضائل ديننا الحنيف، فقد داهمت مجتمعاتنا الإسلامية موجة من الفضائيات مخترقة كل الحواجز والموانع في بث البرامج الهزيلة والمستنسخة وطغى غثها على سمينها، وأصبح الكثير من هذه القنوات تسوق لثقافات وبرامج لا ترتبط بقيم وتراث وحضارة الأمة الإسلامية وقيمها الأصيلة، وفي الغالب لا يشاهد في كثير منها إلا ما يؤصل ثقافة الغرب في الحروب والإجرام وقتال العصابات وما هو جديد من صيحات الموضة البائسة وخصوصاً الشباب الذين أصبحت ترى في ملبس ومظهر الكثير منهم، باستثناء قنوات محدودة تقدم النافع المفيد السليم، إلا أنها لا تعكس ما تملكه الأمة الإسلامية من إمكانات مادية وعقول بشرية ورصيد حضاري وثقافي وفكري قادر على إيجاد قنوات فضائية تخدم المجتمع وتحافظ على القيم والأخلاق وتقدم برامج تحترم عقل المشاهد العربي وتعكس واقع تراث وثقافة وتقدم الأمة الإسلامية. لا شك أن تلك القنوات وبوضعها الحالي أضافت مزيدا من التشويش والتعطيل والمحاكاة للفكر والسلوك ولطاقات الشباب فأوجدت سلبيات كثيرة وفجوة ثقافية وسلوكية ذات أبعاد غاية في الخطورة على أفراد المجتمع المسلم، وألقت بظلالها أيضا على جهود مؤسسات المجتمع بصورة أو أخرى مما جعل المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية غير قادرة على سد هذه الثغرة الخطيرة في ظل محدودية الأطر الرقابية على برامج القنوات الفضائية من الجهات المختصة في الوطن العربي وأيضا تناقص دور المنزل في التنشئة الصحيحة وانتقاء ما يناسب أبناءهم. من المؤسف ما نراه من عجائب في الفضائيات العربية وتركيزها على عرض مشاهد وعبارات للإثارة، أشكال متعددة من الإيحاءات والإغراءات، كل منها يعتبر حالة خاصة، فقد أصبح من المألوف أن نرى فتاة تقدم برنامجاً ثقافياً أو إخبارياً أو حتى نشرة الأسواق العربية وقد خرجت علينا بملابس تبرز مفاتنها بشكل فاضح وكأن المعني بالبرامج أو النشرة المقدمة نفسها وليس المضمون دون الأخذ في الاعتبار تقاليد المجتمع المسلم وإمكانية تأثر بعض الشرائح مثل الشباب والمراهقين ودون اعتبار حتى لضيف وموضوع الحلقة وإن كان تربويا أو شرعيا، هذا غير ما تتضمنه الأفلام أو الفيديو كليب من مناظر تخدش الحياء، أو تلك العبارات المخجلة التي يتم عرضها وتبادلها أمام الملأ عبر العديد من الفضائيات، وأصبحت الكثير من القنوات تتفنن في تقديم هذه الخدمة لجني المزيد من المكاسب المادية، أضف إلى ذلك تركيز هذه القنوات على البرامج المستوردة «المستنسخة» التي أثرت بوضوح على العديد من أفراد المجتمع بسبب التطبيق والمحاكاة والتقليد الأعمى في ظل ضعف المتابعة والرقابة والتوعية من الأسرة والجهات المختصة. لقد أصبح العديد من الشباب والشابات أجسادا بلا عقول، ممسوخين شكلا ومضموناً، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة وإنما بقصد من هذه القنوات الفضائية التي تشحن عقول الشباب والشابات على مدار اليوم بهذه البرامج التي تكرس وتقلد ثقافة الآخر شكلا ومضمونا، وهو ما انعكس على الأخلاقيات والشكليات وارتفاع معدلاتها، بالإضافة إلى أنها تساهم في الاتكالية المفرطة والكسل وضياع الوقت، في حين لا ننكر أن هناك عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وتربوية ساهمت في تعاظم هذه السلبيات في المجتمعات العربية. لقد أصبح العديد من القنوات الفضائية العربية يعمل على تجريد شباب الأمة منذ الصغر من تعلم القيم والأخلاق الطيبة كما يأمرنا ويعلمنا بها ديننا الإسلامي الحنيف، بل إنها تعمل على كسر حاجز الحياء لسلوكيات تتنافى مع قيم وعادات الدين والمجتمع وتزيينها لهم؛ فما كان قبل زمن يقع ضمن دوائر عديدة وأمامه خطوط حمراء اجتماعية وأسرية لا يستطيع التجرؤ على تجاوزها إلا ما ندر أصبح وبكل أسف اليوم مقبولا من قبل شريحة كبيرة وخصوصاً الشباب وربما غيرهم من بعض القائمين على شؤونهم. فهل تنعدم لدى الأمة الإسلامية المقدرة على إيجاد قنوات فضائية تحترم عقل المشاهد وبيئته المجتمعية من خلال اعتمادها على برامج مستمدة من تقاليدنا وقيمنا وثقافتنا وبما يحقق رغبات الكبار والصغار وكافة شرائح وأطياف المجتمع، ويقوم على ذلك معدون ومقدمون ومخرجون يمثلون المجتمع المسلم المعتز بقيمه وثقافته وعاداته في المضمون والمظهر.