مايزال غياب الرقابة الإدارية في كثير من المجتمعات العربية سببا للتخلف الإداري والمجتمعي، فمع تطلع الناس للقضاء على الفساد الإداري، يقبع بعض المديرين في مكاتبهم، متحصنين بجيش من السكرتاريات والنواب، محتمين بأصحاب الولاء الشخصي المتحذلقين، و«المصلحجية»، لصد المطالبين بالحقوق الإدارية والمشروعات التطويرية. ومع نشوة المنصب الإداري وضعف الإمكانيات الفكرية لبعض المديرين (أصلحهم الله) تراهم ينشطون في المخالفات الإدارية، نتيجة تفردهم بالسلطة المطلقة، وأمانهم الكاذب من العقوبة، فأبدعوا في إساءة استخدام السلطة الوظيفة، واستمرؤوا الوقاحة الإدارية، وقلة الأدب المهني، ودخل ضميرهم في سبات عميق، ليحلموا بمزيد من المكتسبات المادية والدرجات الإدارية. وفضلا عن تضييق الخناق على المبدعين من الموظفين والانتقاص من قدر أصحاب الكفاءات منهم، والتشجيع على العبودية الإدارية بتقريب الموافقين لتوجهاتهم غير السوية، وإقصاء من يخالفهم الرؤية، لدى بعض المديرين هوايات بوليسة، فتراهم يطوعون التقنية الحديثة لمصالحهم، ويزرعون كاميرات تتبع الناس عند مداخل المنشأة ومخارجها، وعند كل «زنقة» وممر، ليحسبوا على كل «فرد» منهم أنفاسه، ويرصدوا تحركات الموظفين في كل «شبر»، تعزيزا لحمايتهم من «أعدائهم» كما يحلو لهم تسميتهم عوضا عن انشغالهم بما يجلب المصلحة العامة. ولو كان رصد هذه الكاميرات لدواع أمنية أو مسوغات أخلاقية كما يجب أن يكون، لكانت شاشاتها تراقب بواسطة القسم الأمني للمنشأة فحسب، من غير أن تجتمع شاشات المراقبة لدى هذا المدير أو ذاك، في مكتبه الإداري الذي من المفترض أن يكون واحة لخدمة الموظفين والمواطنين. يتردد في بعض الأوساط الإدارية أن لدى بعض المسؤولين أجهزة تلفاز يتابعون من خلالها برامجهم التلفزيونية المفضلة ومسلسلاتهم المحببة في مكاتبهم وخلال أوقات الدوام الرسمي، للترفيه عنهم مما يعتريهم من توتر وترقب وضغط أعصاب، فالمثل يقول «من راقب الناس مات هما». وإلى أن تنتشر ثقافة الحقوق الاجتماعية التي تحمي المجتمع، وإلى أن يتعزز دور القوانين الرادعة في القضاء على بؤر الفساد الإداري، سيفني كثير من العاملين أعمارهم في قول: «حسبي الله ونعم الوكيل»، وترديد «لا حول ولا قوة إلا بالله»، بسبب الإحباطات المتوالية ووصول الفساد الإداري إلى مراحل متقدمة نتيجة تواطؤ بعض المتنفذين على إساءة استخدام إداراتهم التنفيذية، وتهميش مصلحة المنشآت الحكومية وعدم توانيهم عن ظلم الموظفين والمواطنين في خضم هوسهم بتغليب مصالحهم الشخصية وقصور أيادي العقوبات الرادعة. [email protected]