في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي صدر الأمر الملكي القاضي بتعديل بعض مواد نظام المطبوعات والنشر، موضحا في حيثياته بأن التعديل جاء لما لوحظ على بعض وسائل الإعلام من التساهل في هذا الأمر بالإساءة أو النقد الشخصي سواء لعلمائنا الأفاضل أو غيرهم ممن حفظت الشريعة لهم كرامتهم وحرمت أعراضهم من رجال الدولة أو أي من موظفيها أو غيرهم من المواطنين، مؤكدا الأمر الملكي في الوقت ذاته إدراكه لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحا أو تلويحا، وأن حرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام محل اعتبار وتقدير. وكمتتبع عن قرب للقضايا الإعلامية، فإن الفترة الأخيرة شهدت بالفعل قيام الكثير من الجهات الحكومية أو الشركات الأهلية أو الأشخاص برفع دعاوى إعلامية أمام الجهة المختصة وهي لجنة النظر في المخالفات الصحفية بوزارة الثقافة والإعلام بالرياض، منها دعاوى مرفوعة في الحق العام ضد رؤساء التحرير وكاتبي الخبر أو المقال، مطالبين فيها بإيقاع الغرامة المالية النظامية عليهم، ومنها دعاوى في الحق الخاص مقامة ضد الصحيفة التي نشرت الخبر يطالب المدعون فيها بالتعويض عن الأضرار المادية أو المعنوية التي يدعون بأنها أصابتهم جراء ما نشر عنهم، وبغض النظر عما إذا كانت تلك الدعاوى صحيحة أو غير صحيحة أو ما إذا كانت مبررة ومسببة أو أنها مجرد دعوى كيدية ولغرض الابتزاز أو نيل التعويض (وهو الغالب)، إلا أن هذه الدعاوى العديدة كان لها بالغ الأثر في تعديل النظام ليكون أكثر قوة وصرامة. وبالنظر إلى التعديل الذي أجري على النظام، نجد بأن المادة (9) وهي المعنية بتحديد المخالفات الصحفية لم تختلف كثيرا عما كانت عليه في السابق، وإنما أعيدت صياغتها بشكل أوضح قليلا، ذلك أن المدعين في القضايا الإعلامية المرفوعة سابقا كانوا يستندون في دعاواهم إلى نفس المادة وتحديدا أربع فقرات منها كانت ولا زالت تطالب الصحيفة بمراعاة الأتي: أن لا تؤدي إلى إثارة النعرات وبث الفرقة بين الموطنين (حتى لا يكون المدعي هنا شيخا أو معرف قبيلة)، أن لا تؤدي إلى المساس بكرامة الأشخاص أو إلى الإضرار بسمعتهم أو أسمائهم التجارية (حتى لا يكون المدعي هنا عضو هيئة أو من رجال الدولة أو شخصا من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية)، أن لا تفشي وقائع التحقيقات والمحاكمات إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة (حتى لا يكون المدعي هنا متهما في قضية ما لم تتبين بعد براءته أو إدانته فيها)، وأن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة (حتى لا يكون المدعي هنا مؤسسة عامة أو وزارة أو أي جهة حكومية). أما المواد التي أجري فيها تعديل جوهري فأهمها المادة (38) والتي رفع فيها سقف الغرامة التي قد تفرض على رئيس التحرير أو كاتب الخبر أو المقال إذا ثبتت المخالفة بحقهم من خمسين ألفا إلى خمسمائة ألف ريال يتم مضاعفتها إذا تكررت المخالفة، والحقيقة أنها غرامة كبيرة جدا وتدعو إلى القلق فهي تعادل دية النفس من أربع إلى خمس مرات، وما يدعو للقلق أكثر أنها تخضع للسلطة التقديرية للجهة المختصة بنظر الدعوى والتي قد يرى رئيسها وأعضاؤها بالإجماع أو الأغلبية أن الخبر الذي ثبت أنه مخالف يستحق فقط غرامة ثلاثة آلاف ريال، بينما يستحق الخبر الآخر بحسب رؤيتهم لغرامة مقدارها مائتا ألف ريال، أما ذلك الخبر الذي قد يقل أهمية عن بقية الأخبار فقد ترى بأنه يستحق غرامة مالية تقدر بأربعمائة وتسعين ألف ريال! عندها سيكون من الصعب جدا على من يصدر بحقه قرار من هذا النوع نقض الحكم أمام دائرة الاستئناف التي ستركز بشكل كبير (كما هو الحال سابقا مع المحكمة الإدارية) على ما إذا كان الخبر مخالفا للنظام أم لا وهل الغرامة المالية المفروضة على المستأنف تجاوزت السقف النظامي المنصوص عليه أم لا ؟!