رغم الاهتمام الذي تحظى به بعض أحياء مدينة تبوك، ورغم الخدمات التي تتوفر فيها، وتعكس فعليا المسمى الذي يروق لأهالي المنطقة التغني به (تبوك الورد)، إلا أنه لازالت هناك أحياء أخرى على النقيض تماما من ذلك، غارقة في جملة من المعضلات ونقص في الخدمات، حتى غدت وصمة بؤس وشوكة في خاصرة جمال الورد ونسائم الشمال. الزائر للأحياء الجنوبية في مدينة تبوك لأول مرة يحق له أن يصدم بحجم الإهمال الذي تعاني منه، بدءا من السفلتة وانتهاء بالصرف الصحي، رغم تأكيدات مسؤولي الأمانة في كل سانحة بأن المدينة مغطاة بشبكة الصرف بنسبة 90 في المائة، فيما لم تحظ المقابر بالعناية المطلوبة، بل أهملت حتى أصبحت مأوى للكلاب الضالة. رغم أنني قضيت جل عمري في أحضان مدينة تبوك، إلا أنه لم يتسن لي الدخول في تلك الأحياء المنسية، وقد هالني ما شاهدته حينما قصدت أحياء (أبو سبعة، رحيل وكريم )، فلم أستوعب الحالة المزرية التي تعاني منها، سألت نفسي: أين أمانة منطقة تبوك ؟ أين المجلس البلدي ؟ أين تذهب الميزانية التي تخصص سنويا ؟ وهل هي حصرا على الأحياء الراقية ؟. عجزت عن تفسير المشهد الغريب الذي يحيط بكل شارع وزاوية في هذه الأحياء التي غادرتها على عجل دون أن أدون في مسجلي أو أرصد بكاميرتي أي شيء عنها، على أن أعاود في اليوم التالي جولتي فيها حتى أرصد الواقع، بعد التخلص من مشاعر الإحباط لأكون محايدا في رصد احتياجاتها. في اليوم التالي انطلقت في اتجاه هذه الأحياء، وما أن ترجلت من سيارتي حتى توجه نحوي رجل ستيني يدعى عواد العطوي لفت انتباهه وجود الكاميرا وجهاز التسجيل بحوزتي، فبادرني قائلا «أحملك الأمانة بإيصال صوتنا إلى الجهات المختصة ونقل الحقائق إليها كما هي دون أي تغيير، حيث إنها لن ترضى بأن يحرم المواطن في أي مكان من الخدمات». وطالب عدد من سكان الأحياء الجنوبية ومنها «أبو سبعة، رحيل وكريم» بالمسارعة في وضع حلول عاجلة لانتشالها من معاناة تحاصرها على مدى سنوات تتمثل في مشكلات الصرف الصحي وغياب السفلتة والإنارة. حلم الصرف ولدى مرورنا في أزقة حي أبو سبعة شاهدنا حفريات، أجمع الأهالي على أنهم تعايشوا مع هذا الوضع، مشيرين إلى أنهم أصبحوا يخشون على أطفالهم من الخروج إلى الشوارع خشية سقوطهم في هذه الحفريات، إضافة إلى ما تسببه من تعطيل لحركة السير وتلفيات للمركبات وأضرار صحية جراء تطاير الغبار والأتربة منها. وقال عواد العطوي «سكنت هذا الحي منذ 20 عاما وشبكة الصرف الصحي لم تصلنا منذ ذلك الوقت، وسط وعود واهية من الجهات المختصة»، مضيفا أن الشوارع لا تهدأ من كثرة عمليات الحفر والدفن حتى أصبح المرور على هذه الشوارع لا يطاق. وفي زاوية أخرى من زاويا الحي شاهدنا الوحل والمياه الآسنة التي منحت الحي هوية مميزة في الروائح الكريهة، يقول سالم الرشيدي «تقدمنا نحن سكان الحي إلى المديرية العامة للمياه والصرف الصحي بطلب تمديد الصرف إلينا، إلا أن طلبنا ما زال محل الوعود من قبل المديرية». وأضاف أن عمليات الحفر أمام منزلي تبدو بصفة مستمرة منذ عامين سواء للكهرباء أو الصرف الصحي وغيرها، ونناشد الجهات المختصة سرعة إنهاء معاناتنا وإيصال مشروع الصرف الصحي للحي، مع ردم هذه الحفريات التي تشكل خطرا على أطفال الحي. من جانبه بين الشاب عبدالله العطوي أحد سكان الحي بأن المطبات ألحقت أضرارا بليغة بمركباتهم. تلف المركبات وفي سياق آخر, أكد سليم العطوي، بأن شقيقه الأصغر سقط في إحدى حفريات الصرف الصحي، وذلك ما عرضه لإصابات بليغة دخل على إثرها المستشفى وظل فيها أكثر من شهرين. أما عيد العطوي فقد أشار إلى أنه يتردد على ورش السيارات باستمرار لإصلاح مركبته من التلفيات العديدة التي تعرضت لها بسبب الطرق الوعرة التي تفتقر للسفلتة، وقال «هذه الطرقات تتلف أية مركبة تمر عليها لوعورتها ولوجود حفريات عديدة فيها». وعلل محمد الرشيدي سبب إصرارهم على البقاء في هذه الأحياء، لامتلاكهم أراضي فيها بأسعار مناسبة في ظل ارتفاع الأراضي في الأحياء الأخرى. وفي شارع آخر في نفس الحي كانت تنبعث روائح كريهة تزكم الأنوف، وصلنا بصعوبة إلى سكان هذا الشارع، أحدهم صالح العطوي الذي بادرنا بقوله: «الصرف الصحي غائب عن شارعنا رغم مطالباتنا المتعددة التي لم تجد آذانا صاغية». وعبر بدر العطوي عن معاناتهم في هذا الشارع في موسم الأمطار، وقال: «نجد صعوبة في الوصول إلى منازلنا، كون الشارع يفيض بالمياه حتى تصل إلى أبواب منازلنا، ونأمل من الجهات المختصة سرعة إنهاء معاناتنا في هذا الحي». من جهته قال خالد العطوي «إن هذه الأحياء لا تحظى بالاهتمام الكافي من الإدارات المسؤولة، بسبب مستنقعات الصرف الصحي التي تفوح منها الروائح الكريهة، الطرقات الوعرة غير المعبدة والتي يتطاير منها الغبار والأتربة حتى أصبحت تهدد بكارثة بيئية، ما لم تسارع الجهات المعنية لاحتواء الوضع». تخوف من الأمطار أجمع الأهالي على أن موسم الأمطار يعوق حركة السير داخل أحياء (أبو سبعة، رحيل وكريم) بسبب سوء عمليات التصريف داخلها، مؤكدين أن مياه الأمطار تحاصرهم، متخوفين من حلول كارثة صحية وبيئية بسبب تجمع المستنقعات أمام منازلهم، فضلا عن انتشار البعوض والحشرات. ويقول محمد العطوي «عند هطول الأمطار تمتلئ أغلب شوارع الحي بالمياه والطين ونجد صعوبة في الحركة ولا نستطيع الوصول إلى المسجد لعدم وجود تصريف في الشوارع». الشوارع بلا إنارة أثناء جولتنا في أزقة أحياء أبو سبعة، كريم ورحيل لم نشاهد أعمدة الإنارة في الطرقات إلا في أماكن معينة دون أخرى، وخشينا أن يداهمنا الظلام فاستعجلنا لقاءاتنا، وعندما سألنا سكان الحي عن عدم تركيب أعمدة الإنارة، أجابنا أبو محمد أحد كبار السن «أوصلوا الكهرباء إلى منازلنا» . وبين مرزوق العتيبي ضرورة توفير أعمدة الإنارة في الشوارع والطرقات حماية لهم من السرقات. واشتكى أهالي أحياء ( أبو سبعة، رحيل وكريم ) من كثرة السرقات لعدد من محلاتهم التجارية، مطالبين شرطة المنطقة بتكثيف الدوريات الأمنية خصوصا في المساء. إلى ذلك أشار عبدالعليم بائع في محل للمواد الغذائية إلى أن السرقات داخل الحي تبدو بصفة مستمرة، لافتا إلى أن المحل الذي يعمل فيه تعرض للسرقة أكثر من ست مرات من خلال كسر باب الحديد وسرقة النقود وبعض المحتويات. وتعرضت صيدلية مجاورة للمحل السابق للسرقة عدة مرات، وقال صاحبها «اقتحم اللصوص الباب الحديدي وسرقوا عددا من محتويات الصيدلية». البعوض وأكد السكان أن البعوض لا يكف عن مهاجمة المنازل، وإلحاق الضرر بهم وبأطفالهم في ظل غياب عمليات الرش ومكافحة الحشرات من قبل أمانة المنطقة، وأرجعوا انتشار البعوض إلى تسرب مياه بيارات الصرف الصحي داخل منازلهم، وأبدوا تخوفهم من حدوث مشكلات صحية من خلال نقل الأمراض عن طريق البعوض. يقول عواد العطوي أحد سكان الحي «البعوض يلدغنا بكثرة حتى أصبحنا مثل الأشخاص المصابين بالجرب»، وطالب علي العطوي أمانة المنطقة بتكثيف عمليات الرش بصفة مستمرة ودائمة. أما المواطن عيد العطوي، فقد أشار إلى اعتداء الكلاب الضالة على إحدى المقابر، مطالبا أمانة المنطقة بحماية هذه المقبرة، وأضاف: طالبنا الأمانة برفع سور هذه المقبرة إلا أننا لم نجد آذانا صاغية. وفي زاوية أخرى من زوايا الحي شاهدنا مقبرة مماثلة للمقبرة السابقة، وقال سالم العطوي «المقبرة مليئة بالكلاب الضالة». ما أن أنهينا جولتنا داخل هذه الأحياء الفقيرة بالخدمات حتى قررنا المغادرة، إلا أن روائح الزيوت المنبعثة من ورش الحدادة والخراطة وإصلاح السيارات ومحلات السكراب، استوقفتنا لرصد معاناة أهالي الحي في هذا الجانب، يقول سلامة العطوي «نعاني من تواجد هذه الورش أمام منازلنا، ونخشى أن تسرق العمالة الوافدة في الورش محلاتنا».. وفي نفس السياق أكد سالم العطوي أن محلات السكراب المقابلة لمنازلهم أصبحت مصدر إزعاج لهم، وقال علي الزهراني «نعاني من تواجد محلات السكراب أمام منازلنا، حيث إن المسروقات تباع فيها جهارا نهارا، ونأمل من الجهات المختصة نقل هذه المحلات إلى المنطقة الصناعية».