لم تكن الخطوط السعودية بحاجة إلى مشكلة جديدة حتى تظل الشركة العملاقة حجما بإمكاناتها وعدد عملائها، ونوعا بمهمتها وطبيعة خدماتها، تحت مجهر النقد الذي سلط عليها أكثر من عدسة خلال الأيام الفائتة. فمشكلة التضارب في تصريحات مسؤولي الشركة حول موعد صرف «راتب شهرين» لمنسوبيها يؤشر إلى أن ثمة خللا إداريا توارى زمنا ثم طفح إلى السطح بعد أن ضاقت به أروقة المباني الفاخرة للناقل الوطني، وأعاد ملف «السعودية» إلى الواجهة بعد حزمة قضايا شغلت الرأي العام بدءا من وفاة أحد طياريها، مرورا بمشكلة تعيين الطيارين وانتهاء بأزمة تأخر وإلغاء الرحلات خلال إجازة الربيع وما تلاه من مناقشة ساخنة تحت قبة مجلس الشورى. حزمة الانتقادات تلك، وضعت مدير عام السعودية خالد الملحم، فيما يبدو، أمام مسؤولية الاعتراف بالخلل والدفع بجملة تبريرات، فيما اعتبره البعض اعترافا متأخرا خصوصا في ظل حملة الدعاية الكبيرة التي نظمتها «السعودية» منذ عام 2006، وتوجتها عام 2010 بالحديث عن حجم المنجزات التي حققتها خلال فترة وجيزة. يقول خالد الملحم في معرض اعترافه بالخلل وتبريره: إن سبب الصعوبات التي يواجهها المسافرون في الحصول على مقعد على متن الخطوط الجوية السعودية خاصة في مواسم الذروة تتمثل في أربعة عوائق تساهم في قلة أو تأخر الرحلات الداخلية. وأوضح في رده على تساؤلات طرحتها لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في مجلس الشورى بشأن مسببات تكرار حالات الإرباك في إدارة عمليات النقل الجوي، تلك الأسباب، مشيرا إلى تقادم بعض طائرات الأسطول، وافتقار مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة إلى البنية التحتية الأساسية لاستيعاب حركة السفر المطلوبة، ومن ذلك محدودية بوابات السفر واستخدام الحافلات لنقل الركاب من صالات المطار إلى الطائرات وبالعكس، وكذلك سيور العفش المتقادمة، وانسحاب الشركتين الوطنيتين «سما» و«ناس» من تقديم خدمات النقل الجوي للمحطات الداخلية الإلزامية. وكذلك تخفيض أعداد الرحلات للمدن الرئيسية بنسبة كبيرة من قبل شركة «ناس»، وتوقف شركة «سما» نهائيا عن تقديم خدمات النقل الجوي، الأمر الذي أدى إلى إضافة المسؤولية على عاتق الخطوط السعودية لتغطية التشغيل الداخلي للمحطات الإلزامية والتي كانت من ضمن مسؤولية الشركتين. وأضاف أن الرغبة في السفر بصورة جماعية في الأيام الأولى من بدايات المواسم والعودة الجماعية في الأيام الأخيرة منها، تسبب صعوبة بالغة رغم تسيير رحلات إضافية، مشيرا إلى أن متوسط أعداد الرحلات اليومية خلال فترات الذروة يصل إلى 470 رحلة يوميا، بينما يصل معدل الرحلات الداخلية ما يقارب 350 رحلة يوميا. فضلا عن تأكيده بأن الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في شركته متهالكة وقديمة وأنها لا تواكب الطيران الحالي. قد تكون تلك المبررات منطقية في مجملها أو في جزء منها، غير أن المراقبين وجدوا فيها حالة من التناقض بينها كحقيقة وبين ما حاول مدير عام السعودية إثباته خلال فترات ماضية. فقد أكد الملحم غير مرة على أهمية ما حققته «السعودية» من قفزات تطويرية هائلة في عديد من المجالات كان من أبرزها التطبيق الفعلي للخصخصة بقطاعي التموين والشحن وتسلم وتشغيل الأسطول الجديد وتطوير البنى التحتية للأنظمة الآلية الإلكترونية وما اتخذته من إجراءات منهجية ساهمت في نجاح خططها الاستراتيجية ورفع كفاءة عملياتها التشغيلية ودراستها التسويقية، إضافة إلى تطبيقها برامج علمية متوازنة أثمرت في زيادة إيرادات المؤسسة وتحقيق الربحية التشغيلية، وقال «إن ذلك مكنها من تحقيق نقلة نوعية كبيرة في الخدمات المقدمة للمسافرين ورفع كفاءة خطط التشغيل بين مختلف القطاعات الداخلية والإقليمية»، إضافة الى إنشاء مجالس إدارة لعدد من قطاعات المؤسسة وتخصيص قطاع التموين، وتوقيع عقود لدعم أسطول «السعودية» بسبعين طائرة من طراز إيرباص (320) و(321) وإيرباص (330) ذات الحجم العريض وبوينج (777). إن التوفيق بين هذه التصريحات بما يحمله ظاهرها من تناقض يحتاج إلى تفسير من قبل مسؤولي الشركة، خصوصا أن الإنجازات التي أعلن عنها الملحم لم تنعكس فيما ظهر للجميع على مستوى الخدمات المقدمة للراكب ابتداء من لحظة الحجز وانتهاء بمعاناة التأخير وإلغاء الرحلات، وأن اللجوء إلى زيادة أسعار التذاكر كحل تؤكد «السعودية» على أهميته لاحتواء جزء من تلك المشاكل جاء على حساب الراكب أيضا تجسيدا كما يقول كثير من عملاء "السعودية" للمثل الشهير «أحشفا وسوء كيلة».