في زمن اليوتيوب ما عاد هناك مكان للاختباء والتنصل من زلات اللسان وهفوات السلوك، فهذا الراصد الماكر بإمكانه أن يفضح الخفايا وأن يهتك الأسرار فلا مفر ولا ملاذ. لم يعد أمام المكلفين برعاية مصالح الناس سوى تذكير أنفسهم باستمرار، إن زمن التبختر في تعال أمام المراجعين والاستخفاف بحاجاتهم والتهكم عليهم، ولى وانتهى من ولادة هذا اليوتيوب. حين عجزت بعض الجهات الرقابية أن تكون موجودة في كل وقت وفي كل مكان لترصد وتراقب سير الأعمال وسلوك بعض الكبار مع من يرونهم (صغارا)، ناب عنها اليوتيوب فاستطاع أن يعلن للناس موثقا ما كان يسهل إنكاره وجحده من أساليب التعالي والسخرية والاستخفاف بأصحاب الحاجات، الذين يفترض أن تكون احتياجاتهم وخدمة مصالحهم هي محور العمل الذي يقومون به! في الفيديو الذي سجل لقاء وزير الخدمة المدنية ببعض المهندسين المطالبين بتعيينهم على الكادر الهندسي المناسب لدرجتهم العلمية، وثقت على معاليه زلتان ما كان له أن يقع فيهما: إحداهما التهكم بالمراجعين عند تشبيهه لهم (بالنساء)، والثانية تعاليه عن استلام خطاب شكوى أو مطالب قدموها له، فامتنع عن استلامه مكتفيا بقول (قطعوه)!! من جانبي وأنا امرأة، ولست رجلا في وفد المهندسين، ساءني جدا أن معالي الوزير حين أراد أن يتهكم بمراجعيه لم يجد سوى تعييرهم بمشابهة النساء، (إشارة إلى ما فعلته معلمات محو الأمية حين اجتمعن عند مدخل وزارته؛ يطالبن بحق لهن جحدته وزارته). ما الذي يعيبه معاليه على النساء في ذلك الفعل؟ ولم يره وصمة لا ينبغي (للرجال) أن يفعلوا مثلها؟ إن تعيير أولئك الشباب بالتشبه بالنساء، لم يرد لأنهم (تأنثوا) في مظهرهم، وإنما هو ورد لأنهم اقتدوا بهن في المطالبة بما يرونه حقا ضائعا؟ فما العيب في ذلك؟ ما العيب في أن يقتدي الرجال بالنساء في الفعل الحسن؟ كم هو مؤلم، أن أحد الرموز في البلد لا يجد ما يرد به على مراجعيه ليخلص من ملاحقتهم له إلا بمعايرتهم بأنهم يقتدون بالنساء، في دلالة بشعة على رؤية تقليدية متشبعة بفكرة أن النساء لا يمكن أن يصدر عنهن ما يستحق الاقتداء به! لقد تغير الزمن يا معالي الوزير، وصار الناس في هذا العصر يتمايزون فيما بينهم بتصرفاتهم وعلمهم وأخلاقهم، ولا يتمايزون بجنسهم، ذكرا أو أنثى! إن هذا لا يعني القول إن أولئك المراجعين الذين استحقوا تهكم الوزير، هم على حق في مطالبهم، أو أن وزارته مقصرة في القيام بواجبها تجاههم، ولكن، أما كان من حقهم على الوزير أن يحسن استقبالهم لا أن يرد باستخفاف على مطالبهم؟ أما كان بالإمكان استلام الخطاب منهم على الأقل (تطييبا لخاطرهم) وامتصاصا لغضبهم، إن لم يكن من أجل التعبير عن احترامهم وإبداء الجدية في إيجاد حل لمشكلتهم؟. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة