كنت قد ذكرت في شهادة لي ألقيتها في ملتقى القاهرة للرواية، الذي عقد في ديسمبر الماضي، أننا نمر بحالة ترف كبير في كتابة الرواية، لدرجة بات فيها من الصعب على القارئ أن يفرق بين ما يقرأ، وما يجب تركه راكدا في رفوف البيع، وقد أتاح لي الكاتب المصري الشاب أحمد مجدي همام، أن أقرأ روايته الأولى، أوجاع ابن آوى، لأجدها واحدة من الروايات الشابة الجميلة التي يمكن أن تضيع وسط تلك الزحمة، لو تركت بلا إضاءة. الرواية تتحدث عن موضوعات شتى، وتتقصى تواريخ أسرية لأناس هاجروا من مصر وعادوا، وتعتمد على تقنية البحث في تلك التواريخ وتتبعها، ثم تركز على أسرة معينة كانت في الخليج وعادت، ويرتبط بها الراوي ارتباطا وثيقا، ويبدأ في نبش دواخلها وتعريتها، من دون أن ينسى تعرية مجتمع تمثله تلك الأسرة، وهكذا مما يحدث من وقائع، ومما يكتشفه الراوي في حياة الولد صاحب العاهة علاء ، ننساق إلى حكي سلس، متناسق، وبناء يبدو متماسكا بلا ارتجاج، ونصل بأمان إلى نهاية النص. ما يلفت النظر في هذه الرواية الأولى لكاتبها، تلك الثقافة البحثية التي تبدو جلية في النص المتتبع، نعرف كثيرا عن مرض التوحد الذي قد لا يعرفه حتى الأطباء المتخصصين فيه، نتعرف بدقة على الشعور النافر، الانعزالي لكل من أصيب بنقص أو عاهة ما، ويبدو الولد المتأزم علاء، والذي زاد من أزمته، حياته بين أمه وأخته، بعد أن تركهم الأب، مترددا في اتخاذ قراراته، مرتبكا في مواجهة النساء وخاضعا لسيطرة الأم تماما، وتأتي أفكاره في الغالب شاذة وغير منطقية، ويصبح أداة تعرية مناسبة للراوي، يسوقها عبر النص، معلنا خلالها أفكاره. أيضا استخدم أحمد مجدي كثيرا من اللغة العامية، ولغة الشارع المحكية في الحوار والسرد، وبدت في داخل النص ملائمة تماما، أعطت للنص خصوصية، ولم تجرحه أبدا. ولا أنسى أن أشير إلى دور الأم عاشقة القطط، المصابة بكسر في الظهر من أثر حادث، والذي ساهم أيضا في تفاقم حالة الولد المهتز، الذي ينفك من الأسر ليعود إليه، كأنما قصد الكاتب أن يغرقنا في الأوجاع كلها، ونصبح في النهاية، أسرى ابن آوى المسكين، ونبحث معه عن خلاص.. في النهاية، أريد أن أؤكد أن ثمة كتابة جديدة، لجيل جديد بدأت تأخذ موقعها في الكتابة العربية، ووسط ذلك الزحام الكتابي، تأتي أصوات مهمة ربما تساهم مستقبلا في الرقي بكتابة الرواية، وما ذكرته من قبل عن زحام الكتابة وصعوبة العثور على كاتب جيد وسط الزحام، مازلت أؤمن به، فقط تأتي روايات مثل أوجاع ابن آوى لتعطي الأمل. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة