قرأت أخيرا رواية النمر الأبيض، للكاتب الهندي الشاب أرافيند أديغا، التي صدرت في ترجمة عربية عن الدار العربية للعلوم في بيروت، وكانت أولى روايات الكاتب، وحصل بها على جائزة مان بوكر البريطانية، عام 2008، وذاع صيتها في معظم اللغات بعد ذلك، لتصلنا أخيرا. الرواية من النوع الواقعي المرير، ويبدو أنها حصيلة دراسة متعمقة للهند من كاتب ولد في أوروبا وعاش فيها، وكتب باللغة الإنجليزية، وليست مجرد رواية عادية كتبت بخيال كاتب. هنا لا فنتازيا، ولا لغة شعرية، ولا عبارات منمقة، إلا ما ندر، ولأنها بلسان راوٍ، لم يتعلم إلا بمقدار قليل، فقد كان مناسبا أن تكتب كذلك. وهذا الراوي (بالرام حلوي)، هو داخل النص، رجل أعمال من بنغلور، صعد من الظلام إلى النور، والظلام هنا، هو الفقر، أو البؤس الذي يغلف تلك القرى المنكوبة، في كل شيء، القرى التي نهبت عقولها بحشوها بمعتقدات وأساطير، ولعنات، نهبت هيبتها، بتقسيم سكانها إلى أسياد وخدم، وفي النهاية لا بد من ابتكار الشر، وجعله أسلوب حياة، حتى يخرج واحد مثل حلوي، من ذلك الظلام، إلى إشعاع النور. ما يشد في الرواية، ليس أسلوبها، وقد كتبت في شكل رسائل ليلية، يخاطب بها الراوي، رئيس الصين بمناسبة زيارته للهند، ويقارن بين حال البلدين، ولكن ذلك الكم الهائل من المعلومات الجغرافية والتاريخية، والاجتماعية والسياسية التي تتبادل المواقع على طول صفحات الرواية، وتبين الصراع الفوقي والتحتي لشخوص الظلام، وشخوص النور، ففي كل سطر، لا بد أن تعثر على معلومة كنت تجهلها عن الهند، والآن تتوافر لديك في عمل أدبي. ما لفت نظري، أن الرواية بالرغم من تعرضها للطوائف المهولة التي تسيطر على مجتمع الهند، وأن لكل طائفة معتقداتها الخاصة، إلا أنها لم تغلب طائفة على حساب أخرى، ولم تسئ إلى دين أو عقيدة، وهذا قمة الحياد في وصف مجتمع وعر كهذا. رواية النمر الأبيض، هي بالضبط ما يبحث عنه القارئ البعيد الذي ربما لا تسنح له فرصة، أن يرى الهند كما يراها أهلها، حتى لو زارها سياحة، نوع من الروايات التي أسميها مرايا عاكسة أكثر مما هي روايات تسلية وتقضية للوقت، ولا بد أن معظم أدبنا العربي، وآداب أمريكا اللاتينية، تتبع لتلك المرايا، حين تكتب بنزاهة وإخلاص وبعيدا عن الأيدولوجيا، وتدخل الكاتب الشخصي، ولم أستغرب أبدا أن تحصل النمر الأبيض على جائزة بوكر الكبيرة، بالرغم من أنها لكاتب مغمور وفي بداية حياته الكتابية، مزيحة أعمالا لكتاب مضيئين وكبار، وأجزم أنها النزاهة في التحكيم التي تعتمد على النص لا على الكاتب. أخيرا، لا بد من شكر الدار العربية للعلوم التي تنقل لقراء العربية باستمرار، أهم الأعمال المعاصرة، بعيدا عن الكلاسيكيات التي نقلت إلينا عشرات المرات، وما زالت تنقل في كل يوم. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة