في مجموعتها القصصية الصادرة حديثا عن دار فضاءات للنشر، في عمان، تكب القاصة الأردنية محاسن الحمصي بعدة مستويات كتابية مختلفة، تجعل من حرفة القص، فنا مدهشا، يمكن أن يشد القارئ إليه، ويعيده إلى عصر الانجذاب نحو القصة القصيرة التي هجرها منذ زمن طويل، سعيا لقراءة الرواية التي باتت تستحوذ على الاهتمام، وغالبا حدث ذلك بعد أن أصبحت القصة القصيرة، مجرد خاطرة بلا حكاية ولا طعم. لكن في هذه المجموعة التي حملت عنوان، لم يبق لي إلا أنا، تفاجأ بقص أنيق ومتوازن، تحسه ينبع من القلب، ليس القلب صاحب الخواطر، والدم المنبثق، والذي يدق بعنف في ساعات الانفعالات، ولكن قلب صلد، يبكي بلغة فياضة، ويفرح بلغة فياضة أيضا. تجد الشخوص موجودين ومكتملين بحيواتهم، يسعون أمامك، وتبدو عواطفهم هي عواطفك الخاصة التي وددت دوما أنا تكون هكذا، عواطف غير زائفة ولا مبهرجة أكثر من اللازم. ولأن الكاتبة امرأة، وتحمل خبرات المرأة في أشياء حياتية أخرى، وتملك خاصية أن تبكي ساعة البكاء، وتفرح ساعة الفرح بلا معوقات، فإنك تجد كل هذا موجودا، ولكن أيضا بحساب شديد وبلغة وبلا إضافات أخرى غير ضرورية. ما أعجبني في المجموعة هو لغتها السلسة المستقاة في غالبها من لغة الشعر، لغة تبدو أحيانا جارحة ولكن جرحها لا ينزف كثيرا، وتبدو أحيانا في منتهى الرقة حتى لتحسها تتكسر تحت قراءة الذهن. أيضا يبدو أن القصص مستوحاة من بيئة معينة، بيئة أرستقراطية ناعمة، حيث توجد أماكن مريحة، وطاولات طعام مرتبة، وسيارات، وصالونات تجميل، وهكذا مما يضفي لمسة من خبرة حقيقية، نقلتها لنا الكاتبة في هذه المجموعة الرائعة. معظم القصص، تحدثت بلسان راوية مضعضعة، راوية عاشت في زمن محب، وضاع ذلك الزمن، فهي إما تحاول نسيانه تماما، وحذفه من الذاكرة، وإما تبحث عن زمن آخر بلا جروح، لتعيش داخله، ولاحظت أن شخصية الرجل حين تأتي، وهي دائما تأتي، تكون شخصية إما قاسية جدا، وإما محبة جدا، لا يوجد في قصص المجموعة رجل يمسك العصا من المنتصف، كما يحدث غالبا في الحياة الواقعية. في القسم الأخير من المجموعة الذي حمل عنوان: قصص في حجم الكف، تتجلى براعة الكاتبة في تحويل زحام الحياة كله، خيره وشره، إلى لقطات سينمائية لامعة، وشديدة الإيحاء، حواريات بين الشخوص لا تحدث إلا إذا تخيلناها، ولقطات نقرأ ما وراءها من دون أن نحس بأننا نلوي أعناق أذهاننا، لنعرف. لم يعد لي إلا أنا، مجموعة جميلة، سلسة، فيها من الواقع الشيء الكثير، ومن الخيال أشياء أخرى، ورأيي أنها من المجموعات التي تعيد الحياة لفن القصة القصيرة، في زمن الرواية. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة