رياح التغير العاتية التي بدأت بثورة تونس، ثم الثورة المصرية، باتت تكتسح بعض دول العالم العربي، في ما يشبه التوسنامي الجماهيري الجارف مزلزلا توازن القوى على الأرض وصعيد المواجهة المباشرة بين النظام والشعب، وعلى وجه التحديد موقف الجيش والتشكيلات الأمنية المختلفة، ومدى حياديتهما أو تورطهما في الصراع، ناهيك عن درجة وعمق الانسجام والاندماج على الصعيدين الوطني والاجتماعي، ومدى نضج التقاليد السياسية والمدنية، التي تعبر عنها قوة حضور مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات وهيئات مهنية ونقابية وخصوصا مستوى ودرجة فاعلية وتنظيم الشبيبة الثورية، المتصدرة لفعل التغيير والثورة. كما نقف عند دور ووزن القوى المعبرة عن المصالح الفئوية الخاصة أو الهويات الفرعية (الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية) التقليدية التي غالبا ما تدخل على الخط ويجري توظيفها في الصراع الدائر. وبالطبع لا يمكن إغفال الدور والتداخل الإيجابي أو السلبي للعاملين الدولي والإقليمي، وخصوصا مواقف الدول الغربية الكبرى وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تقيس مواقفها في التحليل الأخير بميزان مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى على الرغم من شعاراتها المعلنة في الدفاع عن القيم والمبادئ الإنسانية الكونية، كالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. كما لا نستطيع إغفال تطلعات بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا في تعزيز دورهما ونفوذهما الإقليمي في عموم المنطقة العربية. على هذا الصعيد وفي ضوء التجارب العيانية الراهنة للثورات والانتفاضات والحراك الشعبي في العالم العربي يمكن القول إن هناك سيناريوهات مختلفة للتغيير في العالم العربي، وبالتالي لا يمكن وضع ترسيمة واحدة تجب ما عداها. من هنا فإننا نلحظ بعض الفوارق حتى بين نموذجي ثورتي تونس ومصر رغم اتسامهما على وجه العموم بطابعهما السلمي ونتائجهما السريعة، وتقديم أقل قدر ممكن من التضحيات. في الحالتين التونسية والمصرية كان دور الجيش الحيادي (مصر) أو المنحاز للشعب (تونس) حاسما في الإطاحة برمز النظام وتقويض بعض مؤسساته، غير أنه في ضوء التجارب الثورية التاريخية في العالم فإن المسار الثوري للتغيير ليس طريقا مستقيما، أنه طريق متعرج يحتمل التقدم والتراجع، خطوة إلى الأمام، وخطوة أو خطوتان إلى الوراء. في الحالة التونسية لم يكن للجيش أي مصلحة في استمرار الوقوف مع نظام الرئيس السابق بن علي ضد الثورة أو قمعها، حيث استند الرئيس المخلوع في إحكام قبضته على مكامن السلطة والقوة والثروة في المقام الأول على المؤسسة الأمنية من شرطة ومخابرات، وعلى مجاميع من المنتفعين المباشرين من أفراد عائلته وقيادات الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة، والتي أطلق عليهم وفقا لتقارير ويكيليكس المسربة بالمافيا. من هنا نلحظ بأن مسار الثورة التونسية أكثر عمقا وجذرية حيث جرى تصفية أو أضعاف مجمل مؤسسات وهياكل النظام المقبور، الرئاسة، الحكومة، الحزب الحاكم، البرلمان، وأجهزة أمن الدولة والمخابرات والحكم المحلي (المحافظين)، ناهيك عن صياغة دستور وقانون جديد للأحزاب. وباتت قوى التغيير والثورة تمارس إلى حد كبير دورا رقابيا مباشرا على جميع مرافق ومؤسسات الدولة. الحالة المصرية تختلف على هذا الصعيد، فالجيش المصري هو حجر الزاوية في النظام الحاكم منذ ثورة أو انقلاب 23 يوليو 1952، وجميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ ذلك الحين وحتى سقوط حسني مبارك منحدرين من مؤسسة الجيش، ونقف هنا عند دلالة الترويكا الثلاثية للحكم المصري في لحظاته الأخيرة، حيث ضمت حسني مبارك (فريق سابق) رئيسا للجمهورية واللواء عمر سليمان نائبا للرئيس والفريق أحمد شفيق رئيسا للوزراء. صحيح ان شباب الثورة أطاح بالترويكا والعديد من رموز ومؤسسات النظام السابق، وخصوصا حل جهاز أمن الدولة وإعادة تنظيم وزارة الداخلية وتقديم تهم جنائية للعديد من الوزراء والمسؤولين السابقين وتجميد أموالهم بمن فيهم الرئيس السابق وأفراد عائلته. غير أن شباب الثورة وقوى المعارضة في مصر يؤكدون بقاء بعض الهياكل المهمة في النظام القديم، وفي مقدمتها المجلس العسكري الأعلى الذي يرأسه وزير الدفاع المصري المشير محمد طنطاوي والذي تشكل بناء على تفويض الرئيس السابق، مع أنه حدد في بياناته اللاحقة دوره في ضمان الانتقال السلمي والسلس نحو سلطة مدنية منتخبة. شباب ثورة 25 يناير دعوا بدورهم إلى مظاهرة مليونية في الأول من أبريل المقبل للدفاع عن المكتسبات وتعميقها ودفعها للإمام، وللتحذير من مخاطر قوى الثورة المضادة التي تسعى جاهدة لاستعادة مواقعها وهيمنتها من جديد. على هذا الصعيد يؤكد الشباب وقوى المعارضة المصرية على قضايا جوهرية آنية مثل تعزيز الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وحل الحزب الوطني (الحاكم سابقا)، ومجلس الشعب (المزور)، وإقالة المحافظين والعديد من القيادات الإعلامية الذين يمثلون امتدادات قوية للنظام السابق، باعتبارها ضمانات لنزاهة وحيادية الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل. يتعين هنا عدم إغفال تلك المخاوف والتوجسات والتحذيرات حول المخاطر الكامنة التي تحدق بالمكتسبات والمنجزات التي حققتها ثورتي تونس ومصر رغم طابعهما السلمي والتأييد الذي حظيتا به من قبل القوى المؤثرة في العالم. الأسئلة المطروحة هنا: ماذا عن مصير وآفاق التغيير في بلدان عربية أخرى اتخذت نظمها الحاكمة إجراءات وتغييرات إصلاحية بمستويات ودرجات متباينة لتلبية مطالب الشعب، ولقطع الطريق أمام تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية ورفع مستوى مطالبها لاحقا، كما هو الحال في المغرب والأردن والجزائر وعمان وغيرها. من جهة أخرى ما هي آفاق التغيير في بلدان أخرى انتهجت أنظمتها أسلوب المواجهة الدموية الشاملة إزاء مطالب الشعب كما هو الحال مع نظام القذافي الديكتاتوري الشرس، أو الاستخدام المفرط للقوة ضد الشباب وقوى المعارضة كما الحال في بعض الدول العربية؟ وللحديث صلة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة