أغلب الخلافات القبلية التي تشهدها المنطقة الجنوبية تتمحور حول الأراضي، خصوصا في مناطق السلاسل الجبلية المنتشرة بكثافة واضحة، وتقلل تلك السلسلة من فرص الحصول على أراض سكنية، ولأن معظم الأراضي لا تزال مملوكة بحجج أو صكوك قديمة، فإن البعض قد يجد الفرصة سانحة للاعتراض على أصحابها عند محاولة استغلالها ويطالبون بنقضها، واستخراج أخرى يعترفون بها، وعلى ذلك يسهل ابتزازهم لا سيما أن بعض الشهود يقفون على الأبواب في انتظار الإدلاء بشهاداتهم التي يحكمها العرف قبل كل شيء، انطلاقا من الفهم الخاطئ لمعنى ومبدأ النصرة وتطبيقا للعزوة التي يدخرونها للطوارئ. المفارقة في الأمر أن هناك مجموعة من الأشخاص لا هم لهم سوى الاعتراض على أي شخص أو جهة تريد أداء عمل ما، واشتهر هؤلاء بين الناس بهذه الصفة سواء كان الحق معهم أو عليهم، وغالبا فإن اعتراضهم ليس له مبرر، ولا يوجد له أية صفة رسمية أو سند من النظام والقانون. تبدو المعادلة سهلة في مجالات معينة كأن تكون فردية، لأن ضررها محدود لكن ذلك لا يمنع أن يستفحل الأمر. فعندما يحاول أحد، مثلا، بناء مسكن قريب من ممتلكات آخر فإن منعه لا يتطلب سوى مطالبته بالتوقف عن البناء بكلمة متعارف عليها بين الجميع وهي «مقروع»، بمجرد إطلاق المفردة فإن الآخر يتوقف مباشرة عن أي عمل تمهيدا وانتظارا لتدخل الوجهاء لحل المشكلة الطارئة، ومع أن متلقي العبارة لم يتجاوز في ما أقدم عليه، إلا أنه يرضخ لاشتراطات المعترض رغبة منه في البعد عن المشاكل والأزمات والرغبة في سرعة الإنجاز ويضطر للتنازل عن بعض حقوقه وتصميم بنائه وفق مواصفات يتفق عليها، وتعني موافقته عدم رغبته في الدخول إلى نفق طويل من الإجراءات المعقدة تفرض عليه عدم استكمال ما بدأه في انتظار أحفاده إذا لم يتم تبييض الأرض محل النزاع، وهو ما يبحث عنه البعض لإبعاد من لا ينتمي إليهم، ولكن الرضوخ للأمر الواقع ليس نهاية المطاف، إذ يشجع ذلك بعض المعترضين على الوقوف أمامه في موقع آخر أو مع أشخاص آخرين في مواقع أخرى ليصبح المجال مفتوحا لكل معترض. يؤدي اعتراض البعض إلى العديد من القضايا، وتعدد ملفات المحاكم حيث تصل النزاعات إلى حد القتل والقطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة والقبيلة الواحدة أو بين قبيلة وأخرى، فيما يظل الوضع محل تصعيد، فكل فرد يتربص بالآخر حتى يضطر كبار المنطقة لاحتواء النزاع ونزع فتيل الخلافات، ورغم النهاية القاسية التي قد تؤدي إليها غالبية النزاعات على الأراضي إلا أن كثيرا من هذه الخلافات لا تخلو من الطرافة والغرابة، وتبدو بعض قصص النزاع أشبه بالخيال. يروي عدد من أفراد عائلة في المنطقة الجنوبية قصة منازعات يعيش فيها بعضهم منذ زمن الأجداد وتتوارثها أجيال الأسرة وما زالت، وتعود القضية إلى أكثر من 50 عاما، حينما نشب نزاع بين كبير الأسرة حيث كان يعمل في أحد القطاعات وترتب على ذلك خروجه هو وشقيقه وأبناء عمومته من قريتهم بحكم قبلي. ويشير أفراد الأسرة إلى أنهم عندما عادوا إلى قريتهم لم يجدوا مكانا لهم، فمنزلهم القديم تم هدمه، وأقيم على أنقاضه مسجد لأهالي القرية رغم أن المسجد القديم لا يبعد عنه سوى خمسة أمتار، كما لم يتمكن أفراد الأسرة من الحصول على أراضيهم بعد أن استغل بعض أهالي البلدة غيابهم وحولوا الأرض إلى ملاعب كرة قدم واستراحات وأحواش بمساحات كبيرة. ويطالب أفراد الأسرة منحهم الحق في الحصول على أملاكهم ومنحهم أراضي في قريتهم التي عاشوا فيها طفولتهم مع أجدادهم وآبائهم.