هناك أموال مفيدة ومنتجة لأنها تستثمر في تنمية الاقتصاد، وأموال لا تفيد ولا تنفع لأنها مكتنزة بعيدا عن دائرة الاقتصاد الوطني، وأخيرا أموال قذرة لأنها تولدت عن أنشطة الاقتصاد الخفي أو الأسود أو من خلال اقتصاديات الظل؛ أي الفساد أوالمصادر غير المشروعة، مثل التزييف والاختلاس والرشى والأعمال المشبوهة والسرقة والمتاجرة بالمخدرات والرقيق الأبيض والمتاجرة بالبغاء، بحيث يصعب إدخالها إلى حسابات البنوك بأسماء شريفة. وتتطلب الأموال القذرة عملية غسل؛ أي إعادة تدوير الأموال، بإيداعها في بنوك أو تحويلها بين البنوك لدمجها في مجالات وقنوات استثمار مباحة شرعا وقانونا لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال، ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع والخروج من المساءلة القانونية، بعد تضليل الجهات الأمنية والرقابية. وكذلك هناك أشخاص متميزون في كل مجتمع يعملون ويساهمون في الارتقاء بمجتمعاتهم بعلمهم وخبراتهم وإخلاصهم، وهناك أشخاص عاديون وصالحون، لكن ليس لهم أي تأثير في تنمية مجتمعاتهم، وأخيرا هناك أشخاص جبلوا على الشر والفساد يعيثون في مجتمعاتهم بكافة أنواع الشرور. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات ومعايير واضحة وملموسة لمعرفة إمكانات ودوافع كل أفراد المجتمع وتصنيفهم إلى إحدى الفئات الثلاث، فإن المجتمع قادر على تمييز ومعرفة أشخاص عديدين في كل فئة، ويظل دائما هناك أشخاص يفسدون في الأرض ويندسون ضمن الفئات الصالحة. وتعتبر وسائل الإعلام بالنسبة لهؤلاء الأشخاص مثل البنوك للأموال، حيث تحاول بعض وسائل الإعلام على مختلف مستوياتها وأشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، القيام بما يمكن تسميته غسيلا للأشخاص من خلال إبراز بعضهم تحت عناوين براقة وتقدمهم كأصحاب علم وفكر وإنجاز وإعطائهم مساحات واسعة في الصحف والبرامج التلفزيونية وإظهارهم في كل مناسبة ينطلقون فيها تحليلا للأحداث وقراءة للمتغيرات واستشرافا للمستقبل. وقد يكون من المقبول ممارسة التلميع الإعلامي لأشخاص لم يجدوا التقدير الكافي، مقارنة بحجم إنجازاتهم الحقيقية، لكن من غير المقبول أن يتحول التلميع إلى غسل. فقد نجحت بعض وسائل الإعلام في غسل قدرات أو مواقف بعض الشخصيات وتسويقها إعلاميا وإظهارها بمظهر الوطنية والحرص على المصلحة العامة على الرغم من سلوكها المخزي أو فساد إنجازاتها. وفي كثير من الأحيان يستطيع القارئ أو المشاهد أن يميز سطحية ما يطرح ويدرك ضعف أو ضحالة الأشخاص من خلال ما يقدمونه من أفكار و آراء وتحليلات لا تعكس مستواهم الفكري والعلمي والثقافي، ولا يتوافق مع قدراتهم. وأيضا ليس من السهل الاستمرار في قلب الحقائق وتسويق الخداع والمفاهيم الكاذبة في ظل وجود وسائل إعلام تعمل بمنطق الحقيقة وتحترم رسالة الإعلام السامية ومهنيتها وموضوعيتها وتؤدي دورها الوطني والإنساني بكل صدق وموضوعية وتعطي كل ذي حق حقه وتحترم مشاعر الناس وعقولهم.