تعرضت اليابان لزلزال عنيف بلغت شدته قرابة التسع درجات على مقياس ريختر، واجتاحت الفيضانات الهائجة من البحر مدينة (سانداي) على الشواطئ الشرقية من الجزر اليابانية. وتلا ذلك عدد من الانفجارات في محطة نووية لإنتاج الكهرباء بالقرب من المدينة. وقد اتصلت بأحد زملائي من الأساتذة الذين يدرسون في جامعة (كوبي) بغرب البلاد، فذكر لي أنه وعائلته بخير، ولكنه لم يستطع الاتصال بأصهاره الذين يعيشون في المنطقة المنكوبة. وحين تشاهد عنفوان الفيضانات البحرية التي ابتلعت السيارات والمنازل وحملت السفن إلى اليابسة، بل وأغرقت المطار الدولي في المدينة، تتعجب من قدرة الخالق، وعنف المصيبة التي أصابت الشعب الياباني المسالم. والشعب الياباني شعب صديق للشعوب العربية، ولطالما شهدنا مساعداته الإنسانية تقدم لبعض الشعوب العربية المحتاجة. وهو شعب هادئ ومنظم ويحب العمل والإنتاج ويضرب المثل بالموظف الياباني على حرصه على عمله وتفانيه في خدمة المؤسسة التي يعمل بها، ما جعل الصناعة اليابانية في مقدمة الصناعات العالمية، ليس فقط من حيث الحجم ولكن كذلك من حيث الإتقان والجودة. ومع تعاطفنا وتعازينا للشعب الياباني الذي يعيش اليوم في محنة، فإنه يجدر بنا أن ندرس التجربة اليابانية بالكثير من العمق. فاليابان مثله مثل بعض الدول العربية والمجاورة، يعاني من الزلازل شبه المستديمة. ولقد أثرت هذه الزلازل في الانفجارات التي حدثت في ثلاثة من المفاعلات النووية القريبة من مكان الكارثة. وتنذر هذه الانفجارات بأسوأ كارثة نووية قد تتعرض لها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية التي استخدمت فيها القنابل النووية ضد مدن آهلة بالسكان في هيروشيما وناجازاكي. والدرس المستفاد من هذه التجربة المؤلمة هو أن المحطات النووية غير آمنة، حتى لو كانت مقامة في مناطق مستقرة زلزاليا. فمثل هذه المحطات تحتاج إلى طواقم فنية عالية التدريب والمهارة، ولها القدرة على اتخاذ القرارات بشكلٍ سريع وغير بيروقراطي خاصة في مثل هذه الحالات الطارئة. كما يحتاج بناء وتشغيل وصيانة هذه المحطات إلى قدرات تقنية وطنية ودولية متكاتفة ومتواجدة خلال فترة تشغيل مثل هذه المفاعلات والتي قد تمتد إلى أربعين عاما. ويبدو أن الكثيرين، خاصة في أوروبا، قد بدأوا في الاتعاظ من الكارثة اليابانية المؤلمة. وبدأت رئيسة وزراء ألمانيا في مراجعة سياساتها المتحفزة للتوسع في بناء المحطات النووية، واستمرار تشغيل المحطات القائمة لفترة طويلة قادمة. ما أجدرنا نحن في الخليج العربي إلى دراسة ما حدث في هذه الكارثة وآثارها البيئية التي قد تستمر لعشرات السنين القادمة، والنظر مليا في موضوع إقامة محطات نووية على شواطئ الخليج العربي، الذي نشرب من مائه ونأكل من سمكه. وحري بنا كذلك أن نثير الموضوع البيئي مع إيران التي بنت مفاعل بوشهر، وتنوي بناء مفاعلات أخرى بالقرب منه، وهي التي تعاني من زلازل شبه سنوية تعصف بالقشرة الأرضية المتحركة التي تقف عليها البلاد. الخليج العربي والجزيرة العربية قد حباهما الله بالنفط والغاز، وقد حباهما كذلك بطاقة شمسية هائلة تضيء نهارها طيلة 268 يوما في السنة، ومن شأن هذه الطاقة النظيفة والرخيصة، أن تخدمنا لعشرات، بل ومئات السنين القادمة دون أية مشاكل بيئية أو خراب أو تدمير محتمل. الكارثة النووية اليابانية، وقبلها كارثتا تشيرنوبيل و (ثري مايل آيلاند)، كلها تشير بوضوح إلى أن الطاقة النووية لأغراض إنتاج الكهرباء في منطقتنا العربية مكلفة وغير آمنة، وغير ناجعة في ظل ظروف ثقافية تتسم بالاتكال واللا مبالاة. وخير لنا أن نترك لأبنائنا وللأجيال القادمة معامل للطاقة تعتمد على مصادر آمنة ورخيصة وصديقة للبيئة، بدلاً من ترك مفاعلات تهدد حياتهم ومستقبلهم. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة