كنت أقرأ في بعض الدواوين الشعرية، فكانت تمر عليّ أبيات كأنها تقص واقع الأمة العربية والإسلامية اليوم، وتذكرت مقولة (التاريخ يعيد نفسه). وأخذت أتأمل حال أمتنا وتكالب الأعداء عليها وهي تسقط، ثم تستعيد أنفاسها وتفيق على تعاقب الزمن، فوجدت أننا أمة مبدعة متميزة، وأن الصورة المحبطة التي نحاول مراراً وتكراراً تجذيرها في ذاكرتنا وذاكرة أجيالنا، إنما هي صورة مشوهة غرضها تثبيط الهمم، فلو أن أمة من الأمم مرت عليها ما مر على الأمة الإسلامية من مولدها وحتى اليوم، من المصائب والأدواء والفتن وتكالب الأعداء، لدفنت في مقابر النسيان، وطوى صفحتها التاريخ. لكن أمتنا الإسلامية على الرغم من كل ما أصابها من قتل وتشريد واغتصاب وسلب ونهب لخيراتها، وزرع الفرقة والشقاق بينها، وإشعال نيران الفتنة والعصبية والطائفية في كل أوصالها، فإنها ما تلبث أن تسترد أنفاسها، وتضمد جراحها، وتستأنف الحياة. فما السر في كل هذه القوة المتنامية؟ إنه الإيمان بالله الذي يرتفع في الصدور، هذا الإيمان الذي اعتقد الأعداء أنه بمقدورهم وأده وإخماد صوته، باستعباده وسوقه في حضارته البراقة، فغرهم وأطربهم لما رأوا الشباب اغتر بقشور حضارته في المظهر والمأكل والمشرب، وظنوا أنهم قد بلغوا الغاية، فإذا بهم يفاجأون بأن كل مخططاتهم قد باءت بالفشل حين تفجر رافضاً الذل والخنوع لأعوانهم من الرؤساء والمستأجرين الذين غرتهم أصوات الملايين وبريقها، والأنا الفرعونية وجبروتها، فبات كل سفاح يعتقد أنه الإله الذي يجب إلا يعصى. نسي هؤلاء الجبابرة العتاة أن الحياة لا تدوم على حال، وأن نهاية كل جبار عنيد إلى زوال، ألم يتدبروا آيات القرآن التي حكت لهم بإيجاز قصص البغاة في الأمم السابقة، وماذا حل بهم؟ ألم يقرأوا قصة فرعون وقارون وهامان. إذا لم يقرأوا تلك الآيات، فإني سأهديهم أبياتاً من الشعر يفهمها كل صغير وكبير، فالشعر دوره في إدارة الحروب والأزمات، فهو لا يقل قوة عن الدبابة والرشاش. فليسمعوا قول أبي القاسم الشابي في قصيدته (إلى طغاة العالم): ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدو الحياة سخرت بأنات شعب ضعيف وكفك مخضوبة من دماه وسرت تشوه سحر الوجود وتبذر شوك الأسى في رباه رويدك لا يخدعنك الربيع وصحو الفضاء وضوء الصباح ففي الأفق الرحب هول الظلام وقصف الرعود وعصف الرياح حذار فتحت الرماد اللهيب ومن يبذر الشوك يجني الجراح تأمل هنالك أنى حصدت رؤوس الورى وزهور الأمل ورويت بالدم قلب التراب وأشربته الدمع حتى ثمل سيجرفك السيل سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل وتتدفق عاطفة الشعراء تهاجم أولئك الطغاة، وتحذرهم من مغبة الظلم والعدوان، وتبين لهم معاني المجد التي يجيب أن يتوشح بها الحكام حتى يخلدوا في سجل الشرف التاريخي، استمع إلى هذه المعاني كلها في قصيدة لمحمود غنيم: حتام ننعت بالبطولة فاتكا يحكي الوحوش ضراوة ووثوبا فينقضّ من أعلى عقابا كاسراً ويدب مثل الأفعوان دبيبا لا تجعلوا سفك الدماء مناقبا للفاتحين بل اجعلوه ذنوبا المجد ليس لفاتك ولو أنه بذَّ النسور مخالبا ونيوبا والغار يبرأ من رؤوس أهلها ساموا الأنام القتل والتعذيبا ما الباسل المغوار إلا مصلح ملأ الحياة على البرية طيبا ويسمع صوت الغضب والسخط مزمجراً في كلمات يوسف العظم وهو يدعو بالذل والصغار على الحاكم الذي تناسى دينه واعتنق دين القتل وسفك الدماء، يقول: ذل في الوصل والصغار جبينك وتعامت عن الضياء عيونك حين أعلنت للخلائق يوماً أن سفك الدماء والقتل دينك وقد سجل الشعراء نهاية الطغاة الذين يستهزئون برغبات الشعوب ويستصغرون إرادتها، وفي ذاك يقول يوسف العظم في قصيدته (الوحدة الكبرى): وإذا الشعب ثار يوماً على الغا شم كانت شياهه ذؤبانا وعدن كل ذات طوف عقابا وغدا كل أرنب أفعوانا يغفر الشعب كل ذنب ولا ي منح عرشا أذله غفرانا عصف الدهر بالعروش وولى عهد كسرى وقيصر لا كانا ليس في كف عاهل صولجان حمل الشعب وحده الصولجانا ويقول بدوي الجبل في قصيدته (وحي الهزيمة): كل طاغ مهما استبد ضعيف كل شعب مهما استكان قدير في نهاية المقال خامرني شك، مالبث أن انقلب إلى يقين، بأن أولئك الطغاة، الذين تلطخت ضمائرهم بالدماء، هل بقي لديهم بصيص مشاعر حتى يفهموا لغة الشعر؟ لكنها محاولة لعل وعسى. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain