* نبت عشب جديد على قبر الشاعر الشاب أبو القاسم الشابي ، الذي تخطفته يد المنون وهو لم يكمل ربع قرن من حياته .. * يقال إنه مات مصابا بتضخم القلب ، فقلت: مؤكد .. أن يموت متضخما بالقلب ، متورما بالحب ، فالشعراء يموتون بسبب قلوبهم ، جلطة أو ثقبا أو تضخما أو هبوطا أو صعودا ، وما درويش ونزار والثبيتي وآخرون تكتظ بهم أروقة الروح إلا شهود القلب في نبضه .. * كتب بألمه لا بقلمه تاريخا من القيم ، وزرع حقولا من المثل التي تشكلت نبضا مؤثرا في أفئدة الشعوب الحية التي تنقلب على الظلم والقهر والاستبداد كلما فاض بها الوجع والظلام المستطير. * وذهب مع رياح الزمن ، ونحن نهيل على ضريحه كثبان الجحود والنسيان ، وبعد مرور قرابة ثمانية عقود من التقلبات السياسية والاجتماعية التي كانت تمور بها المنطقة العربية من الماء إلى الماء انبعث صوته من جديد كطائر الفينيق ، مبرهنا على أن الشعر الصادق والفن الحقيقي هو الذي يغير حياة الشعوب ، ويبدل مفاهيم العالم ، ويقلب موزاين الباطل ليحيلها حبا وتسامحا ، ويدوزن أوتار الحياة الكريمة على (قانون) الحرية والعدالة والحق. * كان والد أبي القاسم الشابي قاضيا ، فتوارث الشاعر الشابي جينات العدالة السماوية من والده .. هكذا يبدو المشهد ، وصرخ بكل ما أوتي من وجع: إذا الشعب يوما أراد الحيا=فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي=ولابد للقيد أن ينكسر! * وقبل أن يموت الشاعرالذي تضخم قلبه ولم يتضخم رصيده البنكي بمليار ونصف دولار وجه هذه الأبيات إلى طغاة العالم ؛ محذرا إياهم من نهاية أليمة ، يصنعونها بظلمهم للآخرين: ألا أيها الظالم المستبد=حبيب الفناء عدو الحياة سخرت بأنات شعب ضعيف=وكفك مخضوبة من دماه وسرت تشوه سحر الوجود=وتبذر شوك الأسى في رباه * تضخم قلب الشابي ، حتى انفجر المكان صراخا حيا وهتافا مثمرا ، ليحترق بعدها (البوعزيزي) مضيئا حقبة جديدة من النضال الإنساني ، ومشعلا قنديلا من التأريخ لاتطفئه العتمة ، حتى ولو تحطمت عربات (خضار) العالم بأكمله .. ويكفي.