هناك سمات خلقية عالية جدا، متى توفرت لدى الناس ساعدتهم على أن يحيوا حياة طيبة، وأن يهنأوا بالسلام والوئام والأمن في حياتهم، من هذه السمات الاعتراف بالخطأ متى حدث والمبادرة إلى الاعتذار عنه ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، بيد أن ما يسود ويغلب على طباع كثير من الناس في عالمنا الثالث هو عكس ذلك تماما، فالغالبية منهم يميلون إلى إنكار صدور الخطأ عنهم، فهم إما ينفون حدوثه نهائيا أو ينسبونه إلى غيرهم متى لم يجدوا مجالا لإنكار حدوثه، والنتيجة هي أن يضطر المتضررون من أخطائهم إلى الدخول معهم في صراع قد يتصف بالحدة والعنف. وقد أدرك ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحكمته الفائقة، فكتب إلى عامله أبي موسى الأشعري يحذره: «لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع فيه إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل». مما تناقلته الوسائط الإعلامية خبر يشير إلى أنه حين اشتد اللغط في أوساط كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية حول قبول مديرها منحا مالية من سيف الإسلام القذافي، بلغت 1.5 مليون جنيه استرليني، بادر المدير إلى تقديم استقالته مشفوعة بخطاب اعتذار يعلن فيه تحمله مسؤولية ما وقع من ضرر أصاب سمعة الكلية بسبب تصرفه في قبول التعاون مع ليبيا ومنح القذافي درجة علمية على عمل بات مشكوكا في صدقه. ورغم أن ما قدمته الكلية من تعاون مع ليبيا لم يخرج عن استشارات اقتصادية وبرنامج تدريب للموظفين وإلقاء بعض المحاضرات العلمية ومنح سيف الإسلام القذافي درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وهي كلها أعمال مشروعة في صلب عمل الكليات، إلا أن ما أثير من شكوك حول صدق أطروحة القذافي التي تقدم بها لنيل الدرجة، والاشتباه في أن يكون قد استأجر أحد الأكاديميين الليبيين ليعدها له، وضعت الكلية في موقف حرج حين انطلت عليها عملية التزييف فأعطت القذافي الدرجة. وتحت وهج ذلك الإحراج وتصاعد الاعتراض والإنكار لما حدث، لم يجد المدير غضاضة في أن يعترف بالخطأ ويتحمل مسؤولية ما حدث ويبادر إلى تقديم استقالته من منصبه. لم يلجأ إلى الإنكار والنفي، ولم يصر على البقاء فوق الكرسي حتى آخر رمق!! هذا المدير الذي قدم استقالته لشعوره بالفشل في الوفاء بمتطلبات المنصب، التي منها الحفاظ على سمعة الكلية العلمية التي يتولى إدارتها، لم يكن فريدا في سلوكه هذا، فأن يعترف المخطئ بخطئه وأن يبادر إلى تقديم استقالته هو نمط من أنماط السلوك المعتادة في الدول المتقدمة، وهناك أسماء كثيرة لأصحاب المناصب الذين اضطروا إلى الاستقالة عندما اشتهر بين الناس وقوعهم في الخطأ، وربما كان أبرزهم الرئيس الأمريكي نيكسون الذي اضطر إلى التنحي عن منصبه إثر اكتشاف فضيحة وترقيت الشهيرة، فالتشبث بالمنصب وإنكار الوقوع في الخطأ، سمة خلقية لا تظهر بوضوح إلا في دول العالم الثالث، وربما لذلك نجد أنفسنا غارقين في التعجب والانبهار، متى رأينا صاحب منصب يبادر بالتنحي عن كرسيه إقرارا منه أنه لم يعد جديرا بالجلوس عليه!! ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة