دائما ما يحلم الشاب أو الفتاة بشريك العمر، وغالبا ما يرسم له صورة محببة إليه في خياله وما إن يجد نوعا من التشابه بين تلك الصورة في مخيلته ومن يفترض الارتباط به يكون الرضا التام بالخطوبة وإتمام مراسم الزواج. وتماشيا مع تلك الرغبة الإنسانية والحاجة النفسية الطبيعية شرع الإسلام الحنيف للمسلمين "النظرة الشرعية" عند التقدم لخطبة فتاة وهي حق للمرأة كما هي حق للرجل. وضمن الشرع في تلك النظرة للخاطب والمخطوبة ما يتحقق منه القصد دون تجاوز أو كشف للحرمات. فقد أجمع الفقهاء على أن الوجه والكفين مباح النظر إليهما عند النظرة الشرعية ودون خلوة. وعلى الرغم من وضوح الحكم الشرعي في "النظرة الشرعية" إلا أن العديد من الأسر توقع نفسها في جدل عقيم حولها إما بالتشدد المخل بالغرض أو التساهل المتجاوز له، بل هناك من يمنع "النظرة الشرعية" منعا باتا رغم ما جاءت به السنة الغراء أو يوافق بها ولكن وفقا لشروط وضعها ولي الفتاة بنفسه لتقف عائقا في وجه الخاطب. ولا يتوقف الجدل حول "النظرة الشرعية" عند حد قبولها أو رفضها بل يمتد إلى مدتها وهل هي دقيقة أو أكثر، وهل يتخللها التحدث بين الطرفين أم لا، ومن من الأهل يكون متواجدا مع الخطيبين كمحرم، وماذا تلبس الفتاة أثناء اللقاء، وهل تزينها للخاطب حلال أم حرام، وما مدى التزين المسموح به حتى لا يتحول الأمر إلى نوع من الخداع للخاطب بأن تظهر الفتاة نفسها لخاطبها بصورة غير صورتها الحقيقية التي سيراها على الطبيعة يوميا بعد الزواج؟. وقد ساعدت وسائل وتقنيات التزيين الحديثة في تغيير ملامح الفتاة إلى الحد الذي يسمح بالخداع بدءا من "العدسات اللاصقة" إلى تغيير لون البشرة إلى الرموش والأظافر الصناعية. ويرجع البعض الجدل حول الرؤية الشرعية لدى بعض الأسر إلى جانب العادات والتقاليد. مشيرين إلى أن التشدد في تلك المسألة أوقع الكثير من الرجال في مأزق القبول أو الرفض للفتاة التي يطلبها للزواج عند مواجهة أسرة تتشدد في ذلك الأمر ولا تقبل النظرة الشرعية إلا بعد إتمام الزواج. ويرى المواطن أبو خلود أنه لا بد من النظرة الشرعية للخاطب، لكن لا بد أيضا أن تكون في حدود معينة بحيث تكون الفتاة بلبس محتشم لا يظهر جسمها. مشيرا إلى أنه سمح لخاطب ابنته برؤيتها بالعباءة بحيث لم يظهر منها سوى وجهها، وكان ذلك في حضوره معها أثناء الرؤية التي لم تتجاوز مدتها دقيقة لأنه يرى في ذلك حفاظا على عادات وتقاليد أسرته خاصة أن أبناء قبيلته يرفضون النظرة الشرعية للخاطب أثناء طلب فتاة من نفس القبيلة. ويسرد خالد العتيبي قصته مع الرؤية الشرعية لزوجته حين تقدم لخطبتها فيقول: لم أر منها سوى يديها فقط فوجود والدها فرض علي التقيد في النظرة والحديث، فلدينا عادات بين الأسر لا يمكن تجاوزها، فالشاب إذا تقدم للخطوبة فلا بد أن يقبل بشروط ولي أمر الفتاة في تحديد النظرة الشرعية. والتشديد الواضح من قبل بعض الأسر في لباس الفتاة أثناء النظرة التي لا تتجاوز دقيقة واحدة وبحضور الأب، فهذا كان سببا في حدوث العديد من المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق بعد الزواج لعدم وجود تعارف بينهما خلال فترة الخطوبة. وعن تعرض الخاطب للخداع يقول سامر عبدالعزيز: وقعت ضحية نتيجة الزواج من فتاة بهرتني في وقت النظرة الشرعية، وفوجئت بها بعد الزواج فتاة أخرى غير التي رأيتها في وقت الخطوبة وشعرت بأنني وقعت في مصيدة وضحية لخطة محكمة لخداعي. وتابع: فوجئت بأنها من الفتيات صاحبات "الميك أب" و"العدسات اللاصقة" فلم أتحمل مظهرها الخارجي ولم أجد أمامي سوى التخلص من هذا الزواج. مؤكدا أن "النظرة الشرعية" حق من حقوق الرجل والمرأة قبل الزواج ورفضها سبب من أسباب العنوسة والطلاق وكثرة الخلافات الزوجية، وكذلك لا بد على الفتيات أن يظهرن بطبيعتهن والابتعاد عن أساليب الخداع والتزييف التي تلجأ لها الفتيات أثناء النظرة الشرعية. أما محمد ناجي فيقول: قبل زواجي تقدمت لخطبة فتاة وأثناء لقاء "النظرة الشرعية" كنت أشعر بحرج شديد بينما كان والدها يركز نظره علي بحدة مما أربكني كثيرا ولم ألمح من الفتاة سوى عينيها التي لاحظت جمال لونها بشكل غير طبيعي وقمت من المجلس متخذا قرار الارتباط بها رغم أني لا أكاد أتذكر ملامح وجهها. وفي أول زيارة عائلية قبل الخطوبة فاجأتني شقيقتي بأن ما رأيته لم يكن لون عينيها الحقيقي ولكنها كانت ترتدي عدسات لاصقة ورغم تأكيدها لي أن تلك العدسات لم تغير من مظهرها كثيرا إلا أنني قررت عدم دخول ذلك البيت مرة ثانية لأنني شعرت بالخداع وأرسلت لأهلها بالاعتذار عن عدم إكمال الخطبة. ويرى عضو المحكمين في وزارة العدل، الباحث الإسلامي، الدكتور أحمد المعبي أن الجدل القائم حول النظرة الشرعية عند العديد من الأسر ينقسم إلى ثلاث فئات، فئة متشددة ترفض الفكرة ولا تسمح للخاطب برؤية مخطوبته إلا يوم الدخلة، وفئة ثانية سمحت بالنظرة الشرعية وانقسمت لفئتين، فئة متساهلة بلا حدود حيث يسمح للفتاة بالنظرة الشرعية مما يدفع الفتيات إلى المبالغة في جميع النواحي، وهناك فئة قليلة نلاحظ أنها تتخذ المسألة بشكل متوسط دون مبالغة أو تشدد. وأكد أن النظرة الشرعية تتمثل في أن تكون في حدود معينة بحيث لا يرى الخاطب من مخطوبته إلا كما يرى المحارم من محارمهم. مشيرا إلى أن بعض الفقهاء سمحوا بأن يرى الخاطب من المخطوبة شعرها وذلك ليس شرطا. وأضاف: هناك لباس مفترض للفتاة لكي تدخل به على الخاطب بحيث لا يكون مبالغاً فيه وتكون الفتاة على طبيعتها مع عدم المبالغة في الزينة، حيث هناك من الفتيات من يلجأن إلى تركيب الرموش المستعارة لتبدو العينان أجمل، وتركيب الشعر المستعار، وهناك من تلجأ لوضع كريمات التبييض و"المكياج" المبالغ فيه، وهذا الأمر فيه كثير من المبالغة والغش، وهنا قد ندخل في أمور قد تكون مخالفة. ويعتبر ذلك غشا للخاطب، وأشار إلى أن تحديد مدة النظرة الشرعية للفتاة يعود للأسرة من ناحية ثقافة هذه الأسرة والعادات والتقاليد، حيث نجد النظرة الشرعية تختلف من منطقة لأخرى.