استعرض المهتمون والباحثون في تاريخ التشكيل السعودي مسيرة 50 عاما من المحاولات الجادة من الفنانين السعوديين لترسيخ مفهوم وأهمية الفنون التشكيلية في مجتمع لم يعي مفهوم الفن التشكيلي ولم يتعاطاه أو حتى يسمع عنه في تلك الفترة، إلا أن الكثير ممن كتب عن هذا التاريخ أكد أن إدراج مادة التربية الفنية كإحدى المواد الأساسية في التعليم العام عام 1377ه أسهم في بداية تشكيل الفن السعودي بممارسات هواة الفن من معلمي التربية الفنية في المدارس، وبدأت ملامح التشكيل السعودي مع اعتماد خطة المعارض المدرسية التي عرفت المجتمع السعودي بمفهوم المعارض الفنية التي كانت في بدايتها تعد ثقافة جديدة على مجتمع لم يمارس تذوقه للفنون التشكيلية بعد، وعلق الرصيص في كتابه «تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية» الذي طبعته وزارة الثقافة والإعلام عام 1431ه في جزئيته عن إسهام معهد التربية الفنية المتوسط للمعلمين الذي أنشئ في الرياض عام 1385ه 1965، في صقل كثير من المواهب الفنية خصوصا من الجيل الثاني كونه أول معهد من نوعه في تاريخ المملكة والذي أنشئ من قبل وزارة المعارف «التربية والتعليم حاليا» لقناعتها بأن الدورات التدريبية والبعثات الخارجية لا تكفي لمواجهة النقص الكبير من المدرسين السعوديين في مجال التربية الفنية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ووصف الرصيص المعهد بأنه حجر الزاوية أو الأساس في تكوين الخلفية الفنية الأولى لعدد كبير من فناني المملكة من الجيل الثاني، ونسبة أقل من الجيل الثالث. فقد كانت بداياتها الأولى قائمة بجهود شخصية وفردية، مما أدى إلى تقبل المجتمع السعودي لفكرة الفنون التشكيلية بصفة عامة، والتصوير بصفة خاصة، ولا سيما هي تقدم صورة مختلفة لما عرفه المجتمع من صور زخرفية تزيينية في مجالات حرفية ونفعية. ولعل أول تلك البدايات كانت عام 1384ه/1964م عندما أقام الفنان عبد الحليم رضوي أول معرض فني تشكيلي له وللفن التشكيلي بصفة عامة في المملكة، وذلك في مدينة جدة. ويعد الفن التشكيلي الراهن في المملكة في هذه الفترة من الأنشطة الحيوية المتواصلة على المستوى المحلي والعربي والدولي، ومنذ قيام الرئاسة العامة لرعاية الشباب أواسط السبعينيات والأنشطة التشكيلية تتواصل بالعروض المختلفة، حيث انتظمت عدة معارض على شكل مسابقات تمنح الجوائز الأولى وتقتني الأعمال بكافة أشكالها مثل معرض الفن السعودي المعاصر، والمعرض العام للمقتنيات، والمعرض العام للمناطق وغيرها، بجانب المعارض الفرعية في مدن المملكة، وشاركت الرئاسة بإقامة عدة معارض تشكيلية لفنانين سعوديين سواء داخل أو خارج المملكة. وشهدت الساحة قيام العديد من الجهات التي أخذت ترعى وتنظم نشاطات مختلفة داخليا وخارجيا، وأنشأت الصالات التشكيلية في كثير من المناطق والمحافظات، وانتقل النشاط التشكيلي إلى نشاطات وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في جمعياتها المنتشرة في أنحاء المملكة التي أسهمت في حراك تشكيلي فاعل، إضافة إلى التعريف بالفن السعودي خارج المملكة عن طريق وكالة الوزارة للشؤون الخارجية بأسابيعها الثقافية إلى أن وصل التشكيل السعودي إلى مكانة مرموقة نوعا ما بين الدول العربية.