كلما تطرق الحديث إلى ما تقدمه القنوات الفضائية من برامج، انهال الهجوم على بعض القنوات التي تسرف في عرض مواد مملوءة بالعري والغناء الرخيص والرقص المبتذل، من أجل جذب المشاهدين بمناظر الإغراء والإثارة، حتى وإن كان في ذلك منافاة للذوق العام أو الإخلال بمتطلبات الاحتشام والخلق الفاضل. ويبرر البعض نقدهم لتلك القنوات بأنها تسهم في نشر الثقافة الغربية التي تستهين بالقيم الأخلاقية وتشجع على اختراق التقاليد المحلية والآداب العامة، فتعمل على إفساد الشباب من الجنسين. مثل هذه الانتقادات الموجهة لبعض القنوات الفضائية، تركز على جانب واحد مما تطرحه القنوات وتغفل عما سواه، لذلك هي تعطي إيحاء أن القنوات الجيدة والأمينة على الشباب هي تلك التي تخلو من برامج الإسفاف الأخلاقي ومشاهد الابتذال. لكن ذلك غير صحيح، فهناك قنوات فضائية تخلو موادها من الإسفاف المظهري، لكنها تحوي إسفافا أخلاقيا من نوع آخر، وتطرح مضمونا فكريا سيئا، هو من السوء بحيث لا يقل في أذاه عن مواد تلك الفضائيات المنغمسة في البرامج الوضيعة. من أمثلة ذلك ما تقدمه بعض القنوات الفضائية الكبرى في برامجها الحوارية من مواضيع جدلية أو فتاوى غير مألوفة، فتثير الناس حولها وتفتح بسببها باب الجدل بينهم، غير معنية بما قد يتضمنه ذلك من التشويش على الناس وزرع الضغائن في قلوبهم على بعضهم البعض، أو ما قد ينتج عن ذلك من تأثيرات ضارة بالصالح العام، سواء للوطن أو الأمة العربية أو الإسلامية. بعض الفضائيات تجنح أحيانا إلى مناقشة مواضيع جدلية كبرى خطيرة، مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أو (الوهابية) كما تسمى وفقا للمصطلح الغربي، أو مثل مناقشة قضايا الشيعة والسنة والاختلافات القائمة بينهم عقديا، أو غيرها من القضايا الحساسة والخطيرة، فتعمد إلى مناقشتها من منظور غربي مناهض لما هو موجود على أرض الحقيقة، أو تتوغل لتنبش قضايا دفينة عفت عليها الأيام وخلت منها الذاكرة العامة ولا يرجى من إعادة نبشها سوى إثارة الأحقاد وإيقاظ الفتن. بعض القضايا الجدلية في التاريخ لا يمكن أن تستوعب وتفهم تماما إلا متى تم تحليلها بعمق يبين ارتباطها بإطارها الزمني ومحيطها التاريخي والبيئي الذي ظهرت داخله، وهو ما لا يتحقق في تلك البرامج، حيث يكون الحوار غالبا سطحيا مبتسرا الحوادث خارج نطاقها الذي انبثقت في داخله، كما أنه عادة يغلب عليه البعد عن المنهجية العلمية والخلو من التحليل أو التوثيق أو مراعاة الظروف التاريخية والبيئية التي أحاطت بالقضية المطروحة للنقاش، فيجيء الحوار وما يدور فيه من نقاش مشوها للحقائق، وتختفي منه كثير من الوقائع التي أغفل التطرق إليها، إضافة إلى ما يصحب ذلك في أغلب الحالات من جلبة وصراخ، يحيي الإثارة ويصرف عن إظهار الحقيقة. مناقشة القضايا الحساسة والجدلية بهذه الصورة، يغرس أحيانا في أذهان البعض أفكارا ضارة، كالشعور بالفوقية أو توجس الشر من الغير، وسوء الظن بهم والكراهية لهم، فيعمل على تعميق الفرقة والعدواة بين أبناء المجتمع. وإذا تذكرنا أن الأغلبية من المشاهدين ليسوا ممن اطلع على خفايا التاريخ كي يمكنهم تمييز الحق من الباطل فيما يطرح من الأفكار، أدركنا مدى الأضرار التي تحدثها تلك القنوات بناشئتنا ومستقبل أمتنا. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة