في إحدى حلقات برنامج «ما خاب من استشار»، الذي تبثه قناة دليل، كنت أتحدث عن الشباب وتحديات العصر، وكان الحديث عن دور الوالدين في حياة أبنائهم الشباب، وقلت في حينها بأن على الوالدين واجبا مهما يتمحور في مراعاة ظروف هذا العصر، باعتباره عصرا باتت المعلومة متاحة للشباب سواء من حيث سرعة الوصول إليها، أو من حيث التثبت من دقتها وصحتها، وبالتالي فلم يعد من الحكمة أن يبقى الكبار على قناعاتهم السابقة التي كانت تتيح لهم الفرصة لإخفاء بعض الحقائق عن أبنائهم من منطلق أنهم لن يستطيعوا التثبت منها لقلة حيلتهم، وعجز وسائلهم، وقلت إن وسائل هذا العصر جعلتهم أقدر منا نحن الكبار على التعامل مع التقنية بكل وسائلها، بل إننا صرنا في أغلب الأحيان بحاجة إليهم، ليعلمونا كيف نتعامل مع تقنيات هذا العصر، وسألت إحدى المشاهدات قائلة: إذا كان رسول الله يقول لشاب: أنت ومالك لأبيك، فكيف يستقيم هذا الكلام مع قولك يا دكتور بأننا نحتاج لتغيير لغة الخطاب مع أبنائنا الذين يؤكد النبي عليه الصلاة والسلام أنهم لنا هم وما يملكون؟، وقد أثار هذا السؤال في نفسي مشكلة تحتاج أن نلقي عليها بعض الضوء، ففي كثير من المواضيع التي تواجهنا في حياتنا اليومية يجد البعض نفسه في حيرة من أمره، بين نصوص تناولت زاوية من المسألة ونصوص أخرى لا يطلع عليها الفرد، أو قواعد منطقية وعلمية متصلة بالمسألة نفسها، ولحل هذه الإشكالية أقول: إن القاعدة التي غابت عن هؤلاء الناس تؤكد على أنه لا بد من استحضار كل النصوص التي تتناول القضية، كما أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض وتعارض بين ما جاءت به النصوص وما يؤكده العلم أو العقل والمنطق، فنحن نحتاج في هذه المسألة أن نستحضر النصوص ذات العلاقة بواجب الأبوين نحو أبنائهم، وتلك التي تتعلق بواجب الأبناء نحو آبائهم، فمن يريد أن يكون ولده وما يملكه له تحقيقا لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي جاء ردا على شاب يسأله ويقول: يا رسول الله إن أبي يريد أن يستبيح مالي، قال: أنت ومالك لأبيك، نعم هذا ما قاله النبي لذلك الشاب، وبالتالي فواجب الشاب أن يكون وما يملكه لأبيه، ولكن ووفقا لمنطق تتابع الأشياء، فإن الشاب هو نتيجة طبيعية لزواج وإنجاب وتربية، وعليه فإن واجب الأبوين يسبق واجب الشاب، وقبل أن أفكر بحقي كأب الذي هو واجب على الشاب علي أن أحصي واجباتي وما ينبغي علي أن أفعله تجاه هذا الابن ليس من طفولته فحسب، بل من قبل أن يأتي إلى هذه الدنيا، فأنا ملزم بحسن اختيار أمه تنفيذا لقوله عليه الصلاة والسلام: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، وأنا ملزم بحسن اختيار اسمه أيضا، وملزم بمعاملته بالعدل وأن لا أنحاز لغيره سواء كانوا ذكورا أو إناثا، بل إنني ملزم بالعدل بينه وبين إخوته حتى بالقبلة وفي العطية والهدية، فقد رفض المصطفى عليه الصلاة والسلام الشهادة على عطية كان يريد أن يقدمها بشير لولده نعمان لأنه لم يقدم مثلها لبقية أبنائه، ومن واجبات الأب الأخرى بحق أبنائه، أن يتعامل معهم باحترام وتقدير وأن يحاورهم ويشاورهم في الأمور سواء كانوا صغارا أو كبارا، مع الأخذ بعين الاعتبار وزن آرائهم بحسب نضجهم وفهمهم، ولكن مما لا شك فيه أن الابن الذي ينشأ في كنف أب يقدره ويحترم رأيه لن يكون موقفه من أبيه مثل موقف الابن الذي لا يستشار ولا يقدر له كيان ولا رأي، وباختصار حتى يحصل الآباء على حقهم في أن يكون الابن وهو وماله لهم، يحتاج كل أب أن يتذكر كل هذه الواجبات المنوطة به، وإلا فمن غير المقبول أن أطالب ابني بحقوقي بعد أن أكون قد فرطت بواجباتي نحوه، إذ لا يحق لمسلم أن يطالب بحق لم يؤد واجباته المؤدية إليه، وإلا فإن من لم يؤد واجباته نحو ربه جاز له أن يطلب من ربه الجنة وهو أمر أجمع العقلاء على أنه غير مقبول وغير منطقي وغير جائز. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]