نظرة تشاؤمية لا تخطئها العين تحيط بمشروع الحكومة الإلكترونية التي تعاني، كما هو معلوم، من عسر بين في الولادة وتعثر واضح في الانطلاقة والوثبة ومع ذلك فإن بعض الجهات حققت نجاحات كبيرة، وإن بدت خجولة في ظل المعوقات التي تتصدى للمشروع بشكل كامل على خلفية عدم حماس بعض الإدارات وضعف البنية التحتية وانخفاض مستوى الكفاءات البشرية. ويرى بعض الخبراء أهمية البناء والتعويل على التجارب الناجحة وتعميمها على مختلف الجهات، وعلى النقيض من ذلك يرى آخرون إعادة النظر تماما في المشروع الذي يقف في مفترق طرق حسب وصفهم، وينادي هؤلاء بمراجعة الأداء بصفة يومية وأسبوعية وشهرية بدلا من مراجعة نصف العام. ويقترح البعض أهمية إسناد الرقابة على المشروع إلى جهة محايدة، وإنشاء مجلس أعلى للتنمية المعرفية التي تعاني من حالة إهمال في غالبية القطاعات الحكومية في ظل النظرة غير الموضوعية التي ترى أن المملكة ستظل مستوردة للمعرفة لا منتجة لها. ويستند أصحاب هذا الرأي في نظرتهم إلى استفادة كثيرين من وضع تعثر مشروع الحوسبة. تعد التأمينات الاجتماعية من أبرز المؤسسات الناجحة في استخدام العمليات الإلكترونية لخدمة عملائها، وبحسب محافظ المؤسسة سليمان الحميد تجاوز عدد العمليات الإلكترونية في مطلع العام الجاري 2011م أكثر من 450 ألف عملية في الشهر الواحد، فيما تجاوزت نسبة استخدام الخدمات الإلكترونية لأصحاب العمل نحو 85 في المائة، كما لوحظ انخفاض كبير في زوار مقار ومكاتب المؤسسة. وأوضح الحميد أن أكثر من 60 في المائة من المراجعين اتفقوا بأن الخدمات الإلكترونية حفظت 50 في المائة من أوقاتهم. وأضاف محافظ المؤسسة أن نسبة الرضا عن الخدمات الإلكترونية تجاوزت 95 في المائة، مشيرا إلى إطلاق أول القنوات الإلكترونية وهي «التأمينات أون لاين» في عام 2005م لتنفيذ جميع الأعمال التى يمكن للعملاء القيام بها في مكاتب التأمينات. وأشار الحميد إلى أنه تم في العام نفسه إطلاق قناة الربط المباشر لتحقيق رغبات الشركات الكبيرة في تنفيذ العمليات الإلكترونية بشكل مباشر بين أنظمتها الآلية وأنظمة المؤسسة بدون تدخل بشري باستخدام وسائل تقنية متقدمة مثل الشهادة الرقمية والتوقيع الإلكتروني. وفي عام 2006م تم إطلاق خدمة الإشعار بالرسائل القصيرة والتي يبعث عبرها 300 ألف رسالة سنويا. وفي العام نفسه تم إطلاق قناة السداد الإلكتروني عبر أحد البنوك ثم طورت إلى نظام سداد، وبذلك تم تحويل جميع المدفوعات من يدوية إلى إلكترونية. وأشار الحميد إلى إطلاق خدمة هاتف التأمينات لتسهيل الوصول إلى الخدمة من أي مكان، وتطور الأمر إلى تقديم الخدمات الاستباقية ومنها منحة الزواج للوريثة في حال تسجيل زواجها لدى الجهة الحكومية المختصة دون الحاجة إلى أن تتقدم إلى المؤسسة. حوسبة إمارة المدينة من الجهات التي حققت تميزا في مجال الحكومة الإلكترونية وفقا للتقرير الثالث الذي نشر أخيرا، إمارة منطقة المدينةالمنورة التي حققت مركزا متقدما للنصف الأول من العام المالي 1430 1431ه؛ وتجلى ذلك في عدد من المؤشرات منها أمن المعلومات والتحديث، الترابط الداخلي، الخدمات الإلكترونية، القيادة، الموقع الإلكتروني، خطط العمل ومشاركة القطاع الخاص. وبلغ المؤشر الإجمالي لقياس التحول لإمارة المنطقة في مرحلة الإتاحة نحو 90 في المائة مقابل 81 في المائة لإجمالي إمارات المناطق الست الواردة في التقرير. بوابة لوزير الخارجية وفي سياق الجهات المتميزة تأتي وزارة الخارجية التي خصصت نافذة للأمير سعود الفيصل وزير الخارجية تتيح له التواصل مع الجميع بطريقة إلكترونية. وتعتزم الوزارة كما يقول الأمير محمد بن سعود بن خالد وكيل الوزارة لشؤون المعلومات والتقنية إطلاق خدمات جديدة بجانب التأشيرة الإلكترونية من بينها مشروع تسجيل معلومات البصمة الحيوية للأشخاص الراغبين في الحصول على تأشيرات من المملكة. كما شرع ديوان المظالم وفقا للشيخ أحمد الصقيه المشرف على العلاقات العامة والإعلام في إصدار الأحكام إلكترونيا بعد السماح بتقديم طلبات الدعوى إلكترونيا من خلال إدارة الدعاوى والأحكام على أن يتم التقديم لاحقا عبر البوابة الإلكترونية. وتتضمن الخدمات الإلكترونية قيد الدعاوى والنظر في قضية مشطوبة وطلب رد القاضي وتوزيع الدعاوى على القضاة والاطلاع على ملف القضية إلكترونيا وإخطار الأطراف. نجاح خجول ومتردد يقول الخبير الاقتصادي محمد حسن يوسف إن النجاح الذي حققته بعض الجهات الحكومية في التحول نحو الحكومة الإلكترونية لا يزال خجولا ومحدودا وأغلبه لا علاقة له بالمشروع الجاري العمل فيه حاليا، مشيرا في هذا السياق إلى مشروع نظام سداد الذي أطلقته وزارة المالية قبل عدة سنوات، أما خدمات الأحوال المدنية والجوازات والمرور فيقدمها المركز الوطني للمعلومات في وزارة الداخلية. ويصف الخبير الاقتصادي محمد يوسف هذه النماذج بأنها الأبرز والأكثر نجاحا حتى الآن، لكنه استدرك منوها بإداء وزارة الخارجية على وجه الخصوص في مشروع الحكومة الإلكترونية بعد نجاح بوابتها الإلكترونية في إصدار 7 ملايين تأشيرة في عام واحد. كما يرى أن المحاولات الجارية نحو التحول ينبغي أن تتسم بالتكامل حتى تحقق أهدافها، مشيرا إلى أهمية البنية التحتية التي تضمن الحد الأدنى من أمن المعلومات للمستفيدين. توفير المعلومات وغياب التفاعل في تصور الخبير يوسف أن قناعته تشير إلى أن ما أنجز حتى الآن لم يصل إلى الحد الأدنى المطلوب لأن أية حكومة إلكترونية يشترط لها توفير المعلومات لمن يطلبها والوصول إلى حالة من التفاعل بين المواطن والجهة الحكومية. وأشار في هذا السياق إلى نتائج استطلاع للرأي أجري عبر الإنترنت أوضح فيه أكثر من 50 في المائة أنهم لم يجدوا الخدمات التي يحتاجونها ضمن الخدمات التي دشنتها القطاعات الحكومية، مبينا أن هذه النتيجة ينبغي أن تكون مزعجة للقائمين على المشروع وأن تؤدي إلى إعادة النظر في أكثر من 100 خدمة طرح بعضها والبعض الآخر في الطريق. أحلام وردية في الهواء يتساءل المستشار الاقتصادي محمد سعيد دردير عن غياب الرؤية الكاملة لمشروع الحكومة الإلكترونية بعد خمس سنوات من الإعلان عنه، ويضيف أين الخدمات ال 150 التي وعدونا بها عند إطلاق المشروع؟ أين التصريحات الوردية عن حجم الإنجاز في المشروع وقرب اكتماله؟ أين نسبة الرضا المستهدفة ب 80 في المائة بين المستفيدين من خدمات الحكومة الإلكترونية. كما تساءل دردير عن الآمال التي عقدت في بداية المشروع على استخدام الرسائل الإلكترونية في جميع المراسلات الرسمية وتأمين المشتروات الحكومية من السلع والخدمات عبر نظام الحكومة الإلكترونية وزيادة استخدام الخدمات الحكومية بنسبة 75 في المائة لدى المستخدمين. وأوضح المستشار الاقتصادي دردير أن دعوة مجلس الوزراء للجهات المعنية بتقديم تقارير عن حجم الإنجاز كل ستة شهور لا يكفي على الإطلاق؛ لأن الوقت ليس في صالح أحد في مشروع خصصت له ميزانية تجاوزت ثلاثة مليارات ريال، مضيفا أن التقارير يجب أن تكون شهرية وأسبوعية وربما يومية للتأكد من حجم التفاعل بشكل سريع. جهة محايدة للرقابة ورأى المستشار الاقتصادي دردير أن المؤشرات الأولية حتى الآن لا تشجع على نجاح التحول مثلما نتطلع جميعا، داعيا إلى ضرورة تفريغ جهة للرقابة على المشروع وإعادة تقييم حجم الإنجاز الذي تحقق. ودعا إلى أن يكون التحول للحكومة الإلكترونية عامل جذب للمستفيد من الخدمة ليصبح ذلك خياره الرئيس الذى يوفر عليه الكثير من الوقت والجهد والمال. وطالب بأهمية وضع التشريعات اللازمة لضمان الإقبال على التعامل الإلكتروني وتوفير الدعم المالي للمشروع بشكل دائم لأهمية هذا البرنامج في توفير بيئة جاذبة للاستثمار في المرحلة الراهنة. خطوة نحو الطريق الصحيح الاقتصادي عبدالرحمن القرني يختلف رأيه عن ما طرح ويشير إلى ضرورة تعميم تجارب الجهات الناجحة حتى تستفيد منها الجهات التى تخلفت عن الانضمام إلى المشروع وعددها 13 جهة فقط، موضحا أن أبرز ما يميز الجهات التي تبنت المشروع بنجاح هو وجود رؤية واضحة للخدمات التي يتطلع إليها المراجعون، والرغبة في إنجاح التحول الذي يوفر بيئة جيدة للعمل بدون ضغوط. وانعكس ذلك على معدلات أداء هذه الجهات في إطار من السلامة بعيدا عن التعقيد الإداري الذي ينجم عن التعامل الورقي. ودعا القرني الجهات الخدمية إلى ضرورة التحرك سريعا لركوب قطار الحكومة الإلكترونية على أن يكون ذلك ضمن أولويات جميع الإدارات. وطالب القرني بضرورة تأسيس مجلس أو هيئة عليا للتنمية المعرفية في ظل التحولات الأخيرة نحو الاقتصاد الرقمي والمعرفي من أجل إطلاق بنية تحتية قوية لعصر المعلومات انطلاقا من المدرسة والمكتبة ومركز الحي. وأشار إلى أن صعود المملكة إلى المرتبة 58 بدلا من السبعين في الجاهزية نحو التحول باتجاه الحكومة الإلكترونية يؤكد أننا ماضون على الطريق الصحيح خاصة أن هذه الإحصائية صادرة من جهة دولية محايدة. هجوم مضاد ضد القراصنة من جهته، قال الباحث في شؤون المعلوماتية سلمان الوادعي إن تشغيل مشروع الحكومة الإلكترونية بنجاح ليس أمرا سهلا كما يعتقد البعض، إذ يتطلب مراقبة دائمة للأداء في الإدارات وحل المشكلات القائمة في الواقع قبل الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية وذلك بتزويد الموقع التفاعلي بكل المتطلبات والتعليمات والمعلومات الجديدة حتى لا يقع خلل لدى المراجعين عبر الإنترنت. كما يستلزم التطبيق الصحيح أيضا وضع حلول خاصة ترسخ قانونية التعاملات التجارية والمالية ومدى قبول القانون بالدفع الإلكتروني كبديل عن الدفع النقدي. ورأى أن نسبة الإنجاز في المشروع التي لم تتجاوز 60 في المائة بكثير بحاجة إلى تفعيل أكبر في المرحلة المقبلة؛ لأن معنى ذلك تأخر المشروع لسنوات طويلة وربما استنفد خلالها المشروع أهدافه كاملة. وشدد الوادعي على أهمية أمن المعلومات وضمان السرية لأن الإفتقار إلى ذلك سيؤدي تلقائيا إلى عزوف المواطنين عن الاستفادة من هذه الخدمات، داعيا إلى ضرورة التعرف على أساليب وتقنيات الهجوم عبر الشبكة مثل القرصنة وانتشار الفيروسات وغيرها، الأمر الذي جعل أمن المعلومات يحتل أولوية قصوى لدى الكثير من الدول.