تقدم مصر، أم الدنيا والشقيقة للعرب في نفس الوقت، درسا مثاليا، حلوا ومبهجا، لما ينبغي عليه أن تكون صورة شعب يعي حقوق الآخرين وحقوقه في نفس الآن. ثمة صور شعرية لا يمكن أن يتجاوزها التاريخ. تبادل الورود، من بين أرتال الدبابات. والقبلات، على وقع زخ الرصاصات. وكلما ساء تقدير الأمن للوضع، وتوحشه، وضراوته كلما اكتشفت أن جانبا من الشعرية الطاغية والمهذبة تلوح في أفق عربي كاد الناس أن يؤمنوا بجدبه ورجعيته وتخلفه ولا حضاريته. لا تدري أنت الآن، في ميدان الخطابة المفتوح في لندن أم باريس. أم في ميدان التحرير العربي. لا تدري أنت الآن أمام شعب امترس الثقافة، ومارسها من 100 عام، أم بين شعب سيم خسفا لمائة عام. ولكنك تدرك أن مصر البهية، قدمت نموذجا مشرفا وحلوا وفاتنا، ومعبرا للغير، خصوصا «الآخر» المؤمن بديمقراطيته وسموه، حيث يرى ما يجري على أرض مصر من مثال نادر الوقوع، لمعنى أن تكون الشعوب حضارية ورائعة ورائقة في التعامل والترويض مهما تكن قساوة الوحش المقابل. نحن أمام شارع مفتوح. لنلقي عليهم التحية إذا، ونترك لهم صفحات التاريخ. وحدها ستكمل الحكاية. الناحية الأخرى، من تعليق لم أكن لأكتبه على ما يجري في مصر. لأن الكل يستمد منها، ما يوجع القلب، وما يملأ المجالس. ما يخصب الفضائيات والأرضيات، في موسم تكاثر، على طيات الصحف، وتحت طيات اللحف. أصبحت مصر مادة كبرى للإعلام والأعلام. لم نر شريط العاجل الأحمر مستقرا على شاشاتنا كما هو الآن في صورة ثورة مصر هذه. وفي الشق الآخر، حيث الإعلام، نرى أسماء كثيرة، تأتي وتروح. تخطب وتخبط. لربما سنتجاوزها، إلى حيث اسم الوزير «المجبور»، مفكر التنوير السابق، أحد أبرز رواد مؤتمرات الثقافة العربية، بل أحد أبرز صانعيها. هاتوا مؤتمرا واحدا، أو لجنة، أو مشروعا عربيا، لم يكن الوزير الجديد، المثقف القديم، جابر عصفور مشاركا فيه، أو مرسلا له بحثا، أو اعتذارا، أو صديقا، أو صديقة بديلة. منذ البدء، لنؤمن أن المثقفين لا ترمزهم السلطات، ولو فعلت يوما، حتما سيرحلون نحو مجاهل نسيان واضح وأكيد. وأتذكر الآن مقالة الزميل عبدالعزيز البرتاوي في ملحق الأربعاء الثقافي، تحت عنوان «على دكة الرموز»، وكأنه يتنبأ بهذه السقطة من جابر عصفور تحديدا، حين يقول إن المثقف يعمل عربيا، على طريقة العرض والطلب، وإغراء السوق، وما تعطي وتأخذ من منافع. ذهب جابر عصفور من قبل إلى ليبيا، ورأى كيف يكون المثقف الحر الأصيل، «خوان غويتسيلو»، رافضا التكريم المقدم من قبل سلطة غير ديمقراطية، ومن قبل جهة تتبنى تنوعا ثقافيا صوريا، مهرجانيا زيفيا، وهي تمارس حكما استبداديا لقريب من نصف قرن. رفضها الأندلسي الأصيل، وتبرع حين ذاك، أعضاء اللجنة المنقذين، صلاح فضل الناقد أيضا، كيف يكون الناقد موظفا ، وجابر عصفور، ليأخذها الأخير مكرمة أصيلة بقدر 200 ألف دولار. وحقيقة فإن الرقم مغر وكبير، ويسيل لعاب الرجل العابر والنائم حتى. ولا ضير، لعل المثقف التنويري عصفور استفاد من مبلغها الدسم، وبحبح عيشه، ومد رجليه أكثر من لحافه حتى. أليس المثقف إنسانا عاديا، وله احتياجاته وميوله وأهواؤه وهواياته. يجب أن لا نرفع المثقف فوق مرتبة الإنسان. يجب أن يكون هذا الأمر واضحا. لكن التصور المحبط، حين أقدم عصفور على توليه وزارة حكومة انتقالية، ولا بأس بذلك، لكن أن يكون سيد التنوير والثقافة، في الخندق المقابل للشعب وللتحرر وللتنوير، هو القائم القاعد على شتم الأصوليين وانتهازيتهم، والظلاميين وغلوهم، والداعي إلى تحرير المرأة صباح مساء، يذهب الآن مغادرا شعبه إلى الضفة الأخرى، حيث النسيان هذه المرة، لن يرحم عصفور من معرة ذكر اسمه بين النفر الذي كانوا في الضفة الأخرى من الشعب. وحيث النساء، اللواتي نادى بتحريرهن زمنا طويلا من التصريحات، هم من يهتف اليوم بالتحرير، الذي هو مثقف أعدائه الكبير. عزيزي المثقف، ثمة فرق بسيط من ناحية الحروف والكلمات، بين أمور كثيرة، من بينها على الأقل، وقريبا من موضوعنا: الثروة والثورة. وثمة تشابه أكثر، حد التماهي، لكنه لا يدخل هنا، من مثل :النقد والنقد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة