السلوك في مجمله مصنوع وقليل جدا من أشكاله مطبوع في أصل خلقتنا. وكثيرة هي أساليب التربية الخاطئة، التي تؤدي بمجملها إلى نتيجة واحدة وهي خلل في الشخصية بدرجة ما. وخلل الشخصية هذا يدفع ثمنه أطراف عدة أولها صاحب الشخصية الذي يجني قدرا ما من التعاسة يتناسب مع مقدار الخلل. وثانيها من يتعاملون معه من الناس وعلى الأخص الدائرة القريبة منه لكثرة تعاملها معه من ناحية ولأنه يتمادى في تصرفاته غير المنضبطة معهم باعتبار أنهم سيغفرون له أخطاءه كما يتصور من ناحية ثانية. وثالث الأطراف المتضررة من خلل الشخصية هذه هو المعتقد أو الفكرة التي يحملها وبخاصة إذا كان مسلما متدينا ينبئ مظهره عن تمسك بدينه أو التزام بهت، والكبر مظهر سلوكي يمقته الله تباركت أسماؤه كما يمقته رسوله صلى الله عليه وسلم. وهو سلوك يحتاج لتحديد وتعريف، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ قال: إن الله جميل يحب الجمال (أي فليس جمال الثوب والحذاء والمظهر العام من الكبر)، الكبر بطر الحق وغمط الناس». ومعنى بطر الحق الترفع عليه وعدم قبوله، أو كرهه وهو لا يستحق الكره، وفي القرآن الكريم: «وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها». أي لم تقبل معيشتها وتعالت عليها وكرهتها. أما غمط الناس فمعناه احتقارهم وانتقاصهم. في الكبر إذا مكونان اثنان: الأول: كره الحق ورفضه. مما يجعل العلاقة بين الكبر والحق محكومة بمبدأ يؤثر في الكثير من المظاهر السلوكية للفرد. والمكون الثاني: غمط الناس أي احتقارهم وانتقاص قدرهم. فالكبر إذا فكرة عن الذات تجعل صاحبها يتصور أنه فوق الناس وبالتالي فهو فوق الحق. فالناس إذا دونه وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية للعلاقة بينه وبين الناس أن يحتقر الناس طالما أنه فوقهم وعلى اعتبار أن الرضوخ للحق سيجعله يتساوى بهم فالنتيجة الثانية المترتبة على ذلك هو كره الحق باعتباره وسيلة المساواة بين الفرد وباقي الناس، ويتطلب الأمر وقفة قصيرة عند الآية السابقة حيث يقول عز وجل: «وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها»، حيث يتضح لنا أن سنة الله في التاريخ والأمم السابقة أن بطر وكره المعيشة وهي لا تستحق الكراهية يترتب عليه فقدان تلك المعيشة وبالتالي فإن كره الحق والترفع عليه وكره الناس واحتقارهم سيترتب عليه وفقا لسنن الله فقدان لهذا الحق ولهؤلاء الناس. هذا عن الكبر تعريفا وتكوينا، ولكن للكبر مظاهر سلوكية عدة تظهر في حديث المتكبر ولباسه ومشيته وتفكيره وفي تعامله مع الناس، ومن أبرز ميزات حديث المتكبر ما يشير إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال المتكبرون»، والثرثار كثير الكلام تكلفا، أما المتشدق فهو المتطاول على الناس بكلامه، وإذا تكلم تكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه. والمتفيهق: أصله من الفهق وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا وإظهارا للفضيلة على غيره. فحديث المتكبر في مجلس ما يهدف إلى نفس الغاية التي أوضحناها عند تعريفنا للكبر وهي التعالي على الناس وإظهار فضله عليهم. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة