تتميز منطقة تبوك بموقعها الاستراتيجي، حيث تعتبر نقطة توزيع مهمة بين مناطق المملكة وحدودها الدولية البرية مع الأردن، والبحرية مع جمهورية مصر العربية، وهي البوابة الرئيسة لحدود المملكة الشمالية. وأكسب الامتداد الجغرافي المنطقة مزايا خاصة، فهي تضم مناطق زراعية وموارد مائية وثروة معدنية. وتتمثل الأنشطة الاقتصادية الرئيسة في المنطقة في الزراعة التي تقوم عليها الصناعات المساعدة، إضافة إلى الثروة الحيوانية، وإمكانية استخراج الثروة المعدنية المتوفرة في المنطقة بكثرة،إلا أن واقع الحال عكس ذلك تماما، فالنشاط التجاري في المنطقة دون المأمول، والمدينة الصناعية طاردة للمستثمرين. فرغم أن عمر تلك المدينة تسع سنوات، إذ أنشئت عام 1423ه على مساحة 1.4 مليون م2 كمرحلة أولى ويتميز موقعها بقربه من حدود المملكة الأردنية الهاشمية، وميناء ضباء الذي يؤهل المدينة إلى خدمة دول الجوار، إلا أن عدد المصانع فيها لا يتجاوز تسعة مصانع بعضها معروض للبيع. حاولنا استطلاع رأي المختصين عن الأسباب والمعوقات وكذلك البحث عن حلول لها. بداية يرى رئيس الغرفة التجارية في تبوك عبد الله البازعي، أن عدم توفر الأراضي الصناعية في المنطقة خلال الفترة الماضية كان سببا رئيسا لتأخر نمو المنطقة كثيرا. وقال: إن عدم وجود ميزات إضافية للمنطقة، كان أحد تلك المعوقات في تنمية المنطقة، كون تبوك من المناطق الأقل نموا، فالمميزات يجب أن تكون في إيجار الأراضي، وزيادة الدعم المالي من الدولة حتى يكون هناك توطين للوظائف وتقليص للهجرة منها إلى الرياضوجدة والدمام، لكن للأسف لم تتحقق هذه الأمنيات، وما تحقق لا يوازي تطلعاتنا لأنها أكبر من ذلك». دور الغرفة تسويقي فقط ويضيف البازعي «خلال الفترة الماضية عملت الغرفة التجارية على تسويق تبوك في جميع القطاعات الاقتصادية، نظمنا ندوات عن الفرص الاستثمارية في منطقة تبوك لتسويقها صناعيا، ودعونا المستثمرين من خارج المنطقة، حاولنا أن ندعو مستثمرين من خارج المملكة من الدول القريبة ونسبة نجاحنا في هذه المسألة كانت محدودة جدا تكاد لا تذكر. والآن نعمل مع وكالة وزارة البترول للثروة المعدنية لإيجاد منطقة امتياز تعديني في المنطقة لعلها تجذب المستثمرين وتوفر فرص عمل للمواطنين في المنطقة. ويشير إلى أن الغرفة التجارية تعمل في الفترة الحالية على إعداد دراسات صناعية، والتنسيق مع وزارة البترول والثروة المعدنية لتحديد المناطق الغنية بالمعادن، والتي يمكن منحها كامتيازات، ليتم عرضها على المستثمرين من داخل المنطقة وخارجها، لتكون فرصة جيدة لفتح آفاق استثمارية وتنموية جديدة في المنطقة. دور صندوق التنمية وحول دور صندوق التنمية الصناعي في دعم الصناعة في المنطقة، يقول البازعي: إن صندوق التنمية الصناعي تحول من بنك تنمية إلى بنك تجاري كان هدف الدولة من إنشاء الصناديق الداعمة بشكل عام تنمية المناطق، وخلق اقتصاد متناميا للبلد؛ لكن البنك الصناعي تحول من دور تنموي إلى دور تجاري، وأصبحت القروض تذهب لرجال الأعمال الكبار الذين يملكون الضمانات ويستطيعون دفع المبالغ الضخمة لإعداد الدراسات، وأصبح القطاع الذي تهدف الدولة إلى تنميته لا يحصل على هذه القروض، بسبب شروط البنك ومتطلباته الكثيرة، فلا يستطيع أي مستثمر متوسط أو صغير تحقيق اشتراطات صندوق التنمية الصناعي للحصول على تمويلاته، وبالتالي فإن المطلوب أن يعود البنك للعمل بالآلية السابقة التي كان يعمل بها، وهي تشجيع صغار المستثمرين الذين لا يملكون رؤوس الأموال الضخمة. الصناعات الزراعية وبرأي البازعي، فإنه لا توجد معوقات أمام التصنيع الزراعي، وإنما هناك ضعف في ثقافة المزارعين، الآن لدينا بعض الشركات مثل: استرا، وشركة تبوك الزراعية وهما شركتان محترفتان لديهما استراتيجية تعملان وفقها، لكن معظم المزارعين لا يوجد لديهم مثل هذا الفكر الصناعي لإنشاء شركات مماثلة. هناك تخوف من تنفيذ الصناعات الغذائية خصوصا وأن التصنيع الزراعي مرتبط بمواسم إنتاجية، ما يجعل التكلفة مرتفعة في تلك الشركات، حسب رأي البازعي. لجنة زراعية فقط وعما إذا كانت الغرفة التجارية قدمت الدعم اللوجستي للمزارعين، قال البازعي: إنه توجد جمعية تعاونية في المنطقة تقدم بعض الخدمات للمزارعين، ونحن في الغرفة التجارية لدينا لجنة زراعية تعمل على إعداد دراسات تخدم المزارعين، لدينا أفكار لاستضافة المسؤولين في الزراعة مثل وزير الزراعة للتحدث مع المزارعين والوقوف على مشكلاتهم والعمل على حلها، هذا كل مانستطيع تقديمه في المرحلة الحالية. صناديق الدعم الصغيرة وقال: إن دور صناديق دعم المشاريع الصغيرة ضعيف في المنطقة، فمثلا بنك التسليف موجود، وصندوق عبد اللطيف جميل، وهما يشكران على هذا الدور الذي يؤديانه رغم ضعفه، لكننا في تبوك لازلنا نحتاج للكثير من الدعم، فلو أنك ذهبت لأوروبا أو أمريكا أو اليابان أو غيرها من الدول المتطورة صناعيا تجد أن الصناعات الصغيرة تشكل أكثر من 80 في المائة من الصناعات الموجودة هناك، لكن لدينا العكس، فقطاع الصناعات الكبيرة الوحيد في المملكةالذي يحظى بالدعم دون غيره من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا خطأ. ودعا إلى إعادة النظر في استراتيجية صندوق التنمية الصناعي ليدعم هذه الصناعات، فالصندوق يضع الكثير من الشروط التي لا يمكن توافرها في كل من يتقدم للحصول على قرض منه، إنه يواجه عوائق ولا يجد دعما؛ لكن المستثمرين الكبار لا يواجهون هذه العوائق. 10 سنوات ولازالت جديدة ويضيف رئيس الغرفة التجارية الصناعية في تبوك، أن الطريق إلى المدينة الصناعية في تبوك مازالت سيئة وفيها الكثير من الحفر والمطبات رغم مرور قرابة عشر سنوات على إنشاء المدينة، نحاول أن يتم تحسين الطريق، لكنهم يقولون إن المدينة الصناعية جديدة وينقصها كثير من الخدمات، ويعتقد أن إدارة هيئة المدن الصناعية مهتمة بتحسين الوضع، ويتوقع أن يكون هناك تطوير للمدينة واستقطاب مستثمرين جدد إليها. المنافذ غير مستغلة وقال: إن المنافذ في منطقة تبوك، سواء المنفذ البري في حالة عمار أو ميناء ضبا غير مستغلة؛ لأنه لا يوجد مستثمرين أو مصنعين يصدرون للخارج، يجب أولا جذب مستثمرين للاستفادة من هذه المزايا، ونحن في الغرفة التجارية قدمنا بعض الفرص ونعد دراسات من أجل تسويق واستغلال كل القطاعات المتوافرة في المنطقة بما فيها استغلال المنافذ، لكن بمفردنا لن نستطيع أن نعمل شيئا، إلا إذا توفر دعم من جهات أخرى؛ لأن الوضع يحتاج المزيد من الدعم؛ ولأن الهجرة من مناطق الأطراف لتلك المناطق في ازدياد وتحتاج إعادة نظر. حاضنات الأعمال «فكرة إيجاد حاضنة للأعمال موجودة؛ لكن لا توجد جهة تحتضنها»، هكذا قال البازعي، الذي أضاف، «إننا في الغرفة نعمل على أن نكون الجهة التي تستقطب الشباب وتدربهم وتؤهلهم وتعدهم لسوق العمل». صناعة الزجاج ويشير إلى أن هناك فرصا ممتازة في مجال الصناعات التعدينية وصناعة الزجاج لتوفر الخامات بكميات كبيرة في المنطقة، وكذلك صناعة استخراج واستخلاص الحديد لتوافره بكميات كبيرة على السطح، إضافة إلى وجود معادن كثيرة بعضها يحتاج صناعات تعدينية لتهيئته للتصدير؛ لكن العوائق التي نواجهها كثيرة. فالمدينة الصناعية الموجودة غير مهيأة، ونأمل أن تكون في المستقبل القريب إحدى المنافذ التي تستقطب المستثمرين. جذب المستثمرين ويضيف البازعي أن من أكثر التحديات التي تواجهها المنطقة هي: كيف يمكننا اقناع المستثمرين الصناعيين على وجه الخصوص بالاستثمار في المنطقة، وهذا الأمر يتطلب جهدا كبيرا، فالمستثمر عندما يعمل في مدينة رئيسة يكون قريبا من أسواق التصدير، وتتوفر له مراكز الخدمات، وبالتالي: كيف يمكنني إقناعه أن يأتي إلى المناطق البعيدة، وهو يعامل بنفس المعاملة في المدن الرئيسة.. نفس الإيجار، نفس الأنظمة، إذن لابد لإقناعه من توفر حوافز تغريه بالاستثمار في المناطق النائية وهذا لا يتم إلا بتوفير المدن الصناعية المخدومة، وإعطاء مميزات وتسهيلات في العمالة، وتسهيل إجراءات صناديق التمويل، وزيادة المبالغ الممنوحة. الوافدون وصناعة الأعلاف وردا على سؤال حول: لماذا لا يتم الاستفادة من إنتاج المنطقة من الأعلاف في لتحويلها إلى عليقة علفية، يقول البازعي: إن مشكلة المنطقة تتمثل في الاستسهال، فالمزارعون يبيعون منتجاتهم للعمالة الوافدة لتتولى حصاد البرسيم وتجهيزه ونقله، ويكون الدفع مقدما والمشكلة كما قلت هي في الاستسهال والرضى بالربح القليل. مشكلتنا في الخوف أما نائب رئيس الغرفة التجارية السابق والمستثمر في المدينة الصناعية في تبوك أحمد الحارثي، فيرى أن مشكلة منطقة تبوك تتمثل في التخوف لدى الغالبية العظمى من الدخول في مشاريع صناعية كبيرة، لغياب الوعي الصناعي والثقافة لدى الكثيرين، إلى جانب أن الصناعة بطيئة في عائداتها كما هو معروف عنها. واستعرض تجربته الشخصية قائلا: «تشجعت على إنشاء مصنع فكنت أول من أنشأ مصنعا في المدينة الصناعية، لكنني ندمت على ذلك فالمدينة الصناعية الموجودة لا تشجع. فالمسؤولون فيها يعاملوننا بشكل يشعرنا أننا محاربون من خلال كثرة الغرامات، ومدير المدينة يعاملنا بشكل ينعدم فيه التحفيز والتشجيع، كذلك فإن الأمن الصناعي في المدينة متشدد مع العمالة، والمحصلة أنني لو استطعت الخروج من المدينة لما ترددت». كثرة الغرامات تطرد المستثمرين ويضيف الحارثي «أتوقع أن لا تستمر المدينة الصناعية بهذا الشكل، المشرف على المدينة الصناعية يقول للمستثمرين الأجانب «إذا لم يعجبك الحال هنا إرجع بلدك»، خاطبنا هيئة المدن الصناعية بأن تجد لنا حل في هذه الإشكالية. وأنا شخصيا تحدثت مع المهندس علي السحيباني ووعدني خيرا؛ لكن إلى الآن لم يحدث شيء. بحثنا عن المشرف لكننا لم نجده قيل لنا عندما يحضر سنجعله يتصل بكم وإلى الآن ونحن ننتظر اتصاله». التسوير ممنوع والخدمات غائبة إشكالية جديدة يعرضها الحارثي قائلا: إننا نعاني من عدم السماح لنا ببناء سور حول المصنع الذي أنشأناه في المدينة، نحن في منطقة كلها غبار والسور المحيط في المدينة، بعد أن يتم الانتهاء من بنائه، يبعد عني ثلاثة كيلو مترات، ويتساءل:كيف يمكنني أن أحافظ على معداتي في ظل هذا الوضع؟ كذلك فإن الخدمات غير متوفرة، فلا يوجد ماء ولا هاتف، كل ما قامت به هيئة المدن سفلتة الطرق داخل المدينة. مصانع معروضة للبيع ويضيف الحارثي، إن بعض المصانع معروضة للبيع بسبب سوء المعاملة، منها مصنع للرخام معروض للبيع بسبب التشدد، إننا في حاجة إلى تشجيع الناس على الاستثمار في المنطقة من خلال التسهيلات والتحفيز، أحد المستثمرين الأجانب حصل على ترخيص، وبعد أن سمع عن المعاملة في المدينة هرب ولم يعد. كذلك من المعوقات أنه لا توجد في تبوك مكاتب لإعداد دراسات الجدوى التي تشجع رأس المال للقدوم للمنطقة، إذ احتجت دراسة يجب أن تذهب للرياض أو جدة. النقل مشكلة وينتقل الحارثي إلى مشكلة النقل التي تواجه المستثمرين، فإذا احتجت أن تنقل أي شحنة من تبوك لمنافذ التصدير، فأقل شاحنة تنقل لك منتجاتك بألفي ريال. إن تكلفة النقل مشكلة على المستثمرين الذين يفضلون أن يعملوا في الرياض أو جدة لتسويق منتجاتهم هناك والفائض يبيعونه في تبوك. تكلفة الكهرباء مرتفعة ولا ينسى الحارثي مشكلة الكهرباء، فيقول: إن تكلفة إيصال التيار الكهربائي للمصانع مرتفعة جدا لا تقل عن مائتي ألف ريال، وهذه التكلفة تجعل الكثيرين يفضلون إن ينشئوا مصانعهم ولا تكلفهم ربع التكلفة هنا. مشكلات الاستقدام من جهته يرى مريزيق البلوي، أن أكبر مشكلة تواجه المصانع في منطقة تبوك هي مشكلة الاستقدام، فالنظام يطلب منك إحضار معداتك وتركبها، بعد ذلك يعاين مندوب من وزارة التجارة والصناعة المصنع ليعطيك تأييدا، بعد ذلك تراجع به مكتب العمل الذي يحتمل أن يوافق أو لا يوافق على طلب استقدام العمالة، كل ما يحدث أن مكتب العمل يوافق على 50 في المائة من العمالة التي يحتاجها المصنع حتى يمكن تدريبهم، و بعد أن يبدأ الإنتاج الجزئي يمكن استكمال البقية، هل يعقل هذا الموضوع؟ إن اشتراط وزارة العمل تعيين السعوديين عمال يدمر الصناعة وينشئ سوقا سوداء لشراء التأشيرات. وأخيرا يقول مساعد البازعي: عندما وقعنا عقود الإيجار مع هيئة المدن الصناعية، كانت تلك العقود تنص على أن الأرض مطورة ودفعنا أربعة ريالات للمتر كرسم تطوير كان المفترض أن نجد في الأرض شبكة مياه وصرف صحي وطرق وكهرباء وهاتف، لكننا وجدنا القليل وغاب الكثير. وتساءل: هل هذه الصورة معروفة للمسؤولين في هيئة المدن الصناعية، أم أنها غائبة عنهم؟ ولكن يبدو لي أن الصورة لا تصل كاملة أو أن الشخص الموجود في المدينة يفهم صلاحياته بشكل خطأ ويضخم من الصلاحيات، كذلك فإن الطريق إلى المدينة سيئ ويحتاج إلى إعادة نظر، فالمطلوب ربط المدينة الصناعية بالدائري بشكل مباشرة وإلا إذا بدأ تشغيل المدينة الصناعية ستكون هناك الكثير من المشكلات المرورية والحوادث. دور الغرفة التجارية غائب وحول دور الغرفة التجارية وتقديمها الدعم للصناع يقول البازعي: إن دور الغرفة غائب ولا أدل على ذلك من القيمة التي يأخذونها على شهادة المنشأ، بدلا من أن يدعموا التصدير يشترطون رسم قدره 300 ريال، بينما الرسم في الغرف الأخرى 50 ريالا فقط، كذلك دورهم غائب في تشجيع الصناعة، ونحن كصناعيين لا نجد منهم غير التصاديق. الحلقة القادمة .. حائل .. غاب السعوديون فحضر الأجانب