ما أن أنهينا جولتنا في المدينة الصناعية في المدينةالمنورة، كان لزاما علينا أن نبحث عن المستثمرين من الصناعيين لسؤالهم عن حال الصناعة في المدينةالمنورة بشكل عام، سواء من حيث البنية التحتية في المدينة أو المناطق الصناعية المخصصة من قبل الأمانة أو المصانع المتناثرة هنا وهناك في المزارع والأملاك الخاصة، لتقصي الحقيقة ومعرفة أسباب الانحدار في مستوى الصناعة في المدينةالمنورة التي بلغت في يوم من الأيام مستوى مرموق، خصوصا في الصناعات الجلدية وبعض الصناعات الغذائية. 500 مصنع متفرقة في المدينة بدأنا لقاءاتنا مع رئيس الغرفة التجارية الصناعية في المدينة السابق صالح السحيمي الذي قال «يوجد في المدينةالمنورة أكثر من «500» مصنع في مختلف المناطق سواء التابعة لهيئة المدن الصناعية أو المناطق الصناعية التابعة للأمانة أو من يعمل في أملاكه الخاصة، بمختلف الأحجام مابين مصانع صغيرة ومتوسطة وكبيرة، لكنها هامشية ولا يوجد لها تأثير يذكر في منظومة الصناعة الوطنية، رغم وجود المقدرات الكبيرة في المدينةالمنورة من السوق الجيدة نتيجة وجود موسم الزيارة الذي يستمر معظم العام، وهو يعتبر أهم عامل جذب لتسويق منتجات الصناع. وأضاف «دعونا نبحث عن أسباب التخلف أولا: عدم وجود بنية تحتية يتم تسخيرها لخدمة الصناعة، وتنميتها وتطويرها، أنت دائما متهم بتلويث البيئة، أنت متهم بالمغالاة في الأسعار وقائمة من الاتهامات». واستطرد قائلا: «دعونا نبحث عن الأسباب، ولنبدأ من الأساس أولا: البنية التحتية ضعيفة ولا ترقى لصناعة متطورة، ثانيا: ضعف الوعي بأهمية الصناعة الوطنية لدى المستهلك، ثالثا وهو السب الأهم، فإن دمج الصناعة مع التجارة قرار قاتل للصناعة، نحتاج إلى عناية كاملة بالصناعة تبدأ من التخطيط وإعداد الدراسات وتقديم الدعم المادي واللوجستي، وكذلك تقديم الخبرات والاستشارات للمصانع الصغيرة التي ينشؤها شباب، ولابد من دعم الصادرات والتسويق، ولا أعتقد أن وزارة التجارة والصناعة في وضعها الحالي تستطيع فعل ذلك، لذا يجب أن تفصل وزارة التجارة عن الصناعة في أسرع وقت، إذا أردنا صناعة متطورة تحقق الاستراتيجية الوطنية للصناعة». غرف صناعية وليست تجارية ويستطرد السحيمي «بعد أن يتم إنشاء الوزارة المستقلة لابد من إيجاد غرف صناعية مستقلة تهتم بالصناع، لو لاحظنا الغرف التجارية في وضعها الحالي تجد أن معظم منتسبيها هم من التجار، وبالتالي هي ملزمة بحكم عدد المنتسبين أن تركز خدماتها في قطاع التجارة وعدم الالتفات للصناعة، فالحل في رأيه يتمثل في إنشاء غرفة تخدم الصناع وتعتمد في دخلها على الصناعة، تقدم لهم الدراسات ولقاءات الوفود وحضور المعارض الصناعية». المدن المتخصصة كذلك يجب مراعاة المزايا النسبية لكل منطقة من خلال إيجاد مدن صناعية متخصصة، وبذلك يتم توفير صرف الأموال، لا نريد صناعة مطلقة على العنان، نريد صناعة تراعي المزايا النسبية في كل مدينة ومنطقة حتى تنهض الصناعة في مختلف مناطق المملكة، وبذلك تتم التنمية في مختلف المناطق وخلق فرص وظيفية للفتيات والشباب والحد من الهجرة والضغط على المدن الرئيسية، وكون التجارة والصناعة مدمجة في وزارة واحدة يجعل العبء كبيرا على وزارة التجارة ويجعلها لا تستطيع النهوض بهذا الهدف الاستراتيجي. غياب التدرج كذلك هناك مشكلة في فكرنا وعدم معرفتنا بالدور الذي تحققه التنمية الصناعية للبلد، نحن نسعى للكمال مباشرة.. نريد أن نظهر في أكمل صورة، وهذا لا يتحقق مباشرة في الصناعة، لابد من الخبرة التراكمية فهي عامل أساس ويجب التدرج في الصناعة، المفترض أن يكون الدعم المقدم للصناعة من خلال خطة لدعم المعامل والمصانع الصغيرة، ومن ثم يسمح لها بالنمو حتى تكبر، لكن الواقع أن الدعم المقدم من الجهات المختصة يتم مباشرة للمصانع الضخمة، وهذا يتسبب في فجوة كبيرة لعدم وجود صناعات صغيرة، تعد العمود الفقري لأي تطور صناعي نحن لا نبحث عن المصانع الضخمة التي تنتج السلع التي لا أحتاجها بشكل يومي، نبحث عن المصانع التي توفر احتياجنا اليومي هي التي تهمنا. تجربة الجبيل وينبع • سألنا السحيمي: لكن عندما كانت وزارة الصناعة مستقلة لم ينتج شيء.. هل هذا الكلام صحيح؟.. فقال «أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، وهذا ليس ذنب الصناعة السابقة أنها لم تنتج.. يجب أن تكون وزارة الصناعة كيانا مستقلا فكريا واستراتيجيا تخطط وتقدم الدراسات ولديها ميزانيات كافية، لدينا تجربة ناجحة ألا وهي الهيئة الملكية للجبيل وينبع ماذا فعلت؟ أنشأت البنية التحتية المتطورة، دعمت المصانع بالفكر والتخطيط السليم، فحصلت طفرة كبيرة في الصناعات الأساسية.. يجب إعادة نفس التجربة من خلال وزارة مستقلة للصناعة تنشئ مدنا صناعية متخصصة وتدعم المصانع الصغيرة، معروف أن الصناعة إيقاعها بطيء لا تنتظر من الصناعة أن تبدأ اليوم وتحقق أرباحا غدا، التجارة إيقاعها سريع لكنها لا تحقق الفوائد التي تحققها الصناعة لتنمية البلد تحتاج لسنوات حتى تعمق الذهنية الإنتاجية. 60 عاما صناعة أين النتيجة • سألنا السحيمي :لكن الصناعة لدينا رغم عمرها الذي يقارب 60 عاما لم ترتق، بينما هناك دول في جنوب شرق آسيا كانت مستعمرات أصبحت متقدمة علينا صناعيا ماهي الأسباب؟ تنهد السحيمي قائلا: المقارنة هنا غير عادلة.. فهناك ثقافة شعوب، ثقافة الإنتاج غير موجودة لدينا هم بحثوا عن المعامل الصغيرة في المنازل عن الأسر المنتجة عن المعامل المحركة، لكننا بحثنا عن الصناعة الكاملة من أول خطوة، وهذا خطأ استراتيجي في فكر الصناعة، كان المفترض أن يكون هناك خطان متوازيان مصانع صغيرة ودعمها ونشرها في مختلف المناطق، ومصانع كبيرة متخصصة في بعض المناطق. الهدايا على سبيل المثال دعني أضرب مثلا للتوضيح.. لدينا في المدينةالمنورة قطاع الهدايا الذي يحقق إيرادات تتجاوز 3 مليارات ريال، أليس من المعيب علينا أن منتجات الصين تحيط بالحرمين في المدينةالمنورة، لا تجد هدية بسيطة من المدينة ومن روح المدينة لماذا لا تدعم الصناعات الصغيرة وتشجع هل تريد أن تعلم السبب، لا توجد جهة محددة تدعم. هيئة السياحة تدعم الحرف اليدوية فالحرف اليدوية وهي صناعات منتجة ويمكن أن تقوم بدعم قطاع الهدايا بشكل كبير لا يوجد من يدعمها، إلا بعد أن أنشئت هيئة السياحة، لا توجد جهة معنية بدعم الصناعة، كثير من تجار الخردوات لديهم ميول للصناعة لكن عندما يجد المعوقات يستسهل أن يستورد بضائعه من الصين على أن ينشئ مصنعا، جميع الدول بدأت بهيئات عامة لدعم الصناعة. مبدأ المشاركة تعدد الصناديق الداعمة للصناعة مهلكة يجب أن تجمع هذه الصناديق تحت مظلة واحدة وأن تبادر لدعم الشباب بالدرجة الأولى من خلال مبدأ المشاركة، لا تمنحه قرضا نقديا، فكلمة قرض مهلكة لشاب يريد أن يبدأ حياته شاركه وأدعمه إداريا وفنيا وتسويقيا وتجعله تحت أشرافها حتى ينهض المشروع، فالشاب مقابل جهده له نسبة معينة والصندوق له النسبة الأكبر التي يكون من خلالها صاحب القرار وبعد أن ينجح المشروع، يبدأ الشاب يشتري من حصة الصندوق في المشرع مقابل جزء من الأرباح حتى يتحول المشروع إلى ملكية الشاب بالكامل بعد فترة من الزمن، وبهذه الطريقة يمكن تحفيز الشباب ليتملك مشروعه. تعدد الجهات من جهته، يرى الدكتور ياسر طراد مستثمر صناعي أنه لا ينقصنا في المملكة شيء لتحقيق نمو صناعي كبير، فنحن نملك مساحات كبيرة ولدينا خامات كثيرة وتوفر الموقع الاستراتيجي للمملكة والكثير من المزايا، لكن المشكلة في غياب الجهة التي تعنى بالصناعة بشكل عام، فهناك الكثير من الجهات التي يجب على الراغب في إنشاء مصنع مراجعتها قبل الحصول على ترخيص صناعي وزارة التجارة والصناعية، هيئة المدن الصناعية، ومراكز التقنية وهي هيئة مستقلة، صندوق التنمية الصناعي يتبع وزارة المالية، الغرف التجارية نطاق أهلي، صناديق الدعم المختلفة بنك التسليف، صندوق المئوية، ريادة بعض جهات الدعم الأهلية. المشكلة أننا نطالب المستثمر في بلد لازالت الصناعة فيه تحبو، أن يكون عملاقا من أول السطر نحيطه بالأنظمة المعقدة في مكان غير مهيأ، ببنية تحتية متطورة ووجود الكثير من البيروقراطية ليتم وأد الفكرة في بدايتها، وذلك من طول الوقت وكثرة المراجعات عندما ترغب في التقدم لمشروع أعلم أنك تبدأ سباقا ماراثونيا، حتى تمل الوقت الشيء المهم للصناعة يذهب سدى الشيء المهم للصناعية ويموت المشروع في طفولته. غياب العقل الصناعي أما حسين الردادي نائب رئيس غرفة المدينة السابق فيقول إن أكثر مانحتاج إليه العقل الذي يقود الصناعة إلى بر الأمان، فالعقلية الصناعية غائبة، العقلية التي تعطيك التخطيط الاستراتيجي وتراعي الخصائص النسبية للمنطقة وتفكر أين تضع هذه الصناعة، وأين تضع تلك في كل منطقة حسب مزاياها النسبية وتقدم الدعم بمختلف أشكاله لم نلمسها حتى الآن. الشيطان يكمن في التفاصيل ويضيف الردادي أن بعض القرارات التي تدعم الصناعيين غير مطبقة بشكل كامل من قبل بعض الجهات الحكومية، هناك قرار وزاري يلزم المقاولين ومتعهدي المشاريع الحكومية باستخدام المنتجات الوطنية في المشاريع أين هو من التطبيق؟ نحن لدينا فجوة كبيرة بين إصدار القرارات وتطبيقها.. المشكلة في التطبيق على أرض الواقع وليست في النظرية.. الشيطان يكمن في التفاصيل، تفاصيل التطبيق واشتراطاته تشعرك أن هناك محاربة للمنتج الوطني من كثرة الاشتراطات التي يجب توفرها في هذا المنتج، رغم أن المستورد لا يرقى لجودة المنتج الوطني، وإنما المشكلة في سعر المنتج الوطني. معوقات المصانع المتخصصة طالبنا بمصانع نسائية بالكامل في صناعة البسكويت والحلويات لم نجد من يدعمها، تقدمت سيدة من المدينة بطلب إنشاء مصنع للحلويات الشعبية القديمة، وإضافة منتجات جديدة لديها لم تجد دعما بل على العكس تمت محاصرتها بالاشتراطات الكثيرة وتم التضييق عليها حتى تركت الفكرة. ولعل الطريف في الموضوع أنه يجب عليك عندما تريد أن تعمل في الصناعة يجب عليك أن تعمل معقبا لفترة طويلة حتى تكتسب خبرة في مراجعة الدوائر الحكومية. البنية التحتية أما الدكتور خالد الدقل فيشير إلى أن من أبرز معوقات تأسيس صناعة متطورة في المدينةالمنورة، عدم وجود بنية تحتية متطورة تلبي احتياج الصناعيين سواء من المنطقة أو من خارجها. فالمدينة الصناعية الموجودة لا يوجد فيها ماء ولا توجد فيها شبكات صرف صناعي أو شبكات صرف صحي، وكذلك سكن العمالة لا وجود له فكيف يمكن إيجاد صناعة متطورة مع هذه العراقيل. استقدام العمالة ويضيف الدقل إن هناك صعوبة في الحصول على عمالة، لغياب العمالة السعودية التي تقبل ممارسة بعض الأعمال في المرحلة الحالية، مما يتطلب الاستعانة بعمالة أجنبية ولكنك تفاجأ باشتراطات وزارة العمل، فإذا كان احتياجك إلى 30 عاملا فإنك إن حصلت على ثلاثة فهذا أمر جيد. طول الدورة الإجرائية ويضيف الدقل أما إذا أردت أن تتغلب على هذه المعوقات وتبدأ في مشروعك، فلا تفاجأ بطول الدورة الإجرائية للحصول على التراخيص اللازمة. ضعف الخدمات ويقول المستثمر الأجنبي محمد مالك رسلان، الذي يملك مصنعا للخرسانة الجاهزة، إن النطاق المكاني لصناعة الخرسانة الجاهزة لا يقع ضمن النطاق الجغرافي للمدينة الصناعية، وإنما تجمع مصانع الخرسانة الجاهزة والمنتجات الأسمنت تم تخصيصه من قبل أمانة المدينةالمنورة على طريق تبوك القديم المتفرع من طريق المطار، بإيجار طويل الأمد (25 عاما )، وحقيقة الأمر أن البنية التحتية ( كهرباء – ماء – اتصالات – طرق داخلية ....إلخ ) تعاني من ضعف شديد. وبسبب شدة المنافسة ولأن الأمانة طرحت القطع المخصصة للاستثمار على دفعات متتالية، أدى ذلك لرفع أسعار القطع إلى ما يزيد على أربعة أضعاف القيمة التي نعتقد أنها عادلة ناهيك عن ضعف الخدمات التي سبق الإشارة إليها. استخراج التصاريح وعن المعوقات التي تواجه قيام صناعة متخصصة في المنطقة، يضيف أن أول وأهم هذه المعوقات البطء والتعقيد الشديدين في إجراءات استخراج التراخيص النظامية ( الأولية – النهائية )، وأيضا ضرورة الاهتمام بتيسير الإجراءات التي تتطلبها الجهات ذات العلاقة في المملكة ( الأمانة مكتب العمل – الجوازات – المرور – البلدية ...... إلخ ). الصناديق الداعمة تحقق تنمية متوازنة ويرى رسلان أن الصناديق الداعمة للصناعة في المملكة تمثل آلية تنمية ممتازة تساهم تدريجيا في بناء مجتمع اقتصادي قوي، وسواء كانت هذه الجهات تساعد في توسيع حجم أنشطة قائمة بالفعل أو تساعد في إنشاء مشاريع جديدة، فإنها بالطبع خطوات على درجة عالية من الأهمية، وأن توليها المملكة هذه الأولوية وضعها ضمن استراتيجيتها، فهذا مؤشر قوي على بعد الرؤية وشموليتها. حزمة من التسهيلات وحول التسهيلات المقدمة لجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار في المدينة، يقول بكل صراحة إن الصناعيين بحاجة إلى حزمة من التسهيلات التي يرونها مهمة للغاية لإنشاء أي مجتمع اقتصادي بشكل عام وصناعي على سبيل التخصيص، هذه الحزمة تتمثل في تبسيط الإجراءات في المعاملات التي تكون جهات العمل الرسمية طرفا فيها وكذلك توفير الخدمات المطلوبة لنمو الصناعات. التنمية حماية البيئة وحول كيفية تحقيق المعادلة المتمثلة في تحقيق التنمية الصناعية مع الحفاظ على البيئة يقول: في ما يتعلق بمجال تخصصنا، وهو صناعة الخرسانة الجاهزة التي هي إحدى الصناعات المتخصصة، التي تتطلب أولا المعايير الدقيقة ومن ثم تطبيق هذه المعايير بحزم شديد لأن الميزة النسبية في صناعتنا تتمثل في أننا عامل حيوي في سوق نشطة وتتسع يوما بعد يوم، وهي سوق التوسع العمراني، سواء الخاص منها أو المشاريع العملاقة، كل هذا دعا إلى نشوء صناعات كثيرة، لعل من أهمها الصناعة التي نعمل فيها. أما عن البيئة وتحقيق متطلباتها، فنحن في صناعتنا نلتزم طواعية وعن يقين منا، إضافة إلى أن القوانين تفرض مجموعة من الإجراءات الاحترازية، التي تمنع تماما ونهائيا أي مصدر للتلوث. 20 مصنعا للخرسانة وحول عدد مصانع الخرسانة العاملة في المدينة، قال رسلان: إن عدد مصانع الخرسانة الجاهزة العاملة تحديدا هو عشرون مصنعا. أما عن الصناعات الأخرى المرتبطة فتتمثل في صناعة المنتجات الاسمنتية. دبلوم خرسانة ويضيف رسلان: نحن حاليا بصدد تقديم مشروع تعليمي تدريبي، عبارة عن دبلوم في مجال الخرسانة الجاهزة يساهم بشكل كبير في تقديم عناصر مؤهلة تأهيلا علميا وعمليا لسوق العمل في مجال صناعة الخرسانة بشكل خاص، وفي مجال المقاولات بشكل عام وسنكون نحن أول من يستقطب هذه العمالة المدربة للعمل في مصنعنا ومشاريعنا المتعلقة بنفس النشاط مستقبلا.