رد 17 فقيها وعالما على مستوى العالم الإسلامي على كل الفتاوى التي تحرم تمثيل الصحابة تمثيلا مطلقا عبر بحث شرعي متكامل تم إعداده ومراجعتهم له وتم التوقيع عليه من قبلهم حيث فصلوا فيه المسألة من الناحية الشرعية تفصيلا دقيقا ورغم أن البحث تم إعداده قبل صدور فتوى المجمع الفقهي من رابطة العالم الإسلامي بتحريم تمثيل الأنبياء والصحابة إلا أنه يرد بالتفصيل على هذه الفتوى وكل الفتاوى المحرمة بالإطلاق. وقد أثير الجدل أخيرا حول مسألة تمثيل الصحابة بعد عزم قناة أم بي سي بالتعاون مع التلفزيون القطري على إنتاج مسلسل مشترك عن سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ويحمل اسم الفاروق ورغم وجود لجنة شرعية مشرفة على مراجعة نص العمل الذي يكتبه الدكتور وليد سيف ويخرجه حاتم علي إلا أن الرؤية حول العمل مازالت غامضة في ظل إصرار القائمين على المسلسل ظهور الخلفاء الراشدين وهو الأمر الذي أجمع الكل على تحريمه وقد واجهوا رفضا من قبل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حول نفس المسألة مما يعني وجود غموض كبير حول مصير العمل، وتظل مسألة تمثيل الصحابة أمرا خلافيا بحاجة لحسم ورؤية وسطية تتحقق من خلالها المصالح وتقلل السلبيات في ظل وجود توجه عدد من المنتجين لإنتاج أعمال إسلامية تحاكي تاريخنا وتعرف به الأجيال وتقدمه كقدوة للكثيرين ممن يجهلون سير أعلامنا الذين كان لهم الفضل بعد الله في نشر الإسلام. «عكاظ» تساوقا مع جهودها في بيان الرؤية الكاملة حول هذه المسألة تنفرد بنشر هذه الدراسة في سياق السطور التالية: بداية البحث كان عبر إثارة ثلاثة أسئلة شرعية أولها: يتعلق بالتصوير، واستعمال الصور، واقتنائها، وثانيها: شبهة الكذب في الكلام باسم الشخص، وحكم التمثيل عموما، وثالثها: يتعلق بجعل الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم موضوعا للتمثيل. أولا: بالنسبة للسؤال الأول: فإن موقف الشرع ينبغي كغيره من النوازل أن يعامل من خلال ثلاث زوايا هي: زاوية النصوص الواردة فيه، وزاوية المقاصد، وزاوية واقع التصوير المعاصر. فبالنسبة للزاوية الأولى: فإن التصوير الذي فيه صور كائنات سواء كانت عن الجمادات أو الأحياء ذات الأرواح موضوع نصوص كثيرة من الشارع واجتهادات من الفقهاء في حدود النهي موضوعا ودلالة. ويتلخص الموقف المبدئي في أن تصوير الجمادات بأي شكل كان لا مانع منه، كما جاء في حديث الرجل الذي سأل ابن عباس رضي الله عنه، فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له. أما ذوات الروح فإن تصويرها محل نهي غليظ من الشارع، مع ورود الاستثناء، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون»، أما مواضع الاستثناء ففي الصور الناقصة كمقطوعة الرأس، ويختلف العلماء في الكيفيات، فيرى مالك إن فعل بها ما لا تعيش به بأن كان يبقر البطن أو يقطع الرجلين فهو جائز، وهو مذهب أحمد، وكذلك الصور المسطحة، وكذلك لدى الجمهور في الصورة الممتهنة وهي التي تداس بالأقدام. ومحل الإجماع هو: الصورة المحددة الكاملة بنفسها التي لها ظل قائم قابلة للبقاء، وليست المصنوعة مما لا يدوم كالموز والورق. أما المقاصد: فأول ما يرد فيها تحرير مقصد الشارع في النهي عن التصوير، ولا شك أن معرفة الوظيفة التاريخية للتصوير في العهد النبوي الشريف أنها كانت للعبادة أو تلك وظيفتها الأولى على الأقل. ولكن ورود التعليل بمضاهاة خلق الله يجعل النهي في المعنى الأول من باب سد الذرائع، كالنهي عن بيع الأصنام سدا لذريعة عبادتها. ثانيا: حكم التمثيل، وهل هو من الكذب؟ التمثيل من المستجدات العصرية التي يجب أن نعمل فيها آلة الاجتهاد بأدواته، أنه ليس فيه نص، وليس هناك ما يقاس عليه، وليس فيه إجماع من علماء الأمة في عصرنا. ونحن نميل إلى جواز هذه الوسيلة إذا شرف المقصود ونبل، لعدم وجود دليل على المنع، بل ولوجود ما يدل على أصل الجواز. فالأعمال الدرامية إدارة مهمة في صياغة الرأي العام، والتأثير على سلوك الأفراد والمجتمعات، ولم يعد مجرد وسيلة للترفيه والمتعة، وإن كانت المتعة بذاتها ليست مما يعاب ما لم تخالف الشريعة: إن صورة المسلم والعربي، بل صورة التاريخ الإسلامي، ورجالاته وأبطاله تتعرض لتشويه خطير في العالم الغربي، بواسطة الأعمال الدرامية المؤثرة، والتي تشاهد على نطاق واسع، وهكذا الحال في العالم الإسلامي، حيث يتابع الملايين أعمالا درامية، وخاصة في شهر رمضان المبارك الخلاصة في الموضوع: في أصل التمثيل وذاته مع صرف النظر عما يتم تمثيله نرى فيه الجواز، وستزيد هذه المسألة بسطا في البند الثالث إن شاء الله. ثالثا: بالنسبة لتمثيل الأنبياء عليهم السلام، والصحابة، وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم. أما مسألة تمثيل الأنبياء، فنحن نرى حرمة تمثيل أدوار الأنبياء بأشخاصهم، مراعاة لعصمة الأنبياء وأن أفعالهم تشريع، وأن تمثيلهم ليس مطابقا للواقع، فيغلب فيه جانب الضرر، وأن تمثيلهم قد يؤدي إلى إيذائهم، وإسقاط مكانتهم فضلا عن العصمة التي اختصهم الله بها، ومهمة البلاغ المبين التي أسندت إليهم، فهم رجال بلاغ ورسالة وأقوالهم وأفعالهم لها الحجة على الناس ومفاسد تمثيلهم كبيرة، جعلت معظم فقهاء الإسلام يحرمونه، بل وجعلت كثيرا من العامة يغضبون ويثورون ضد هذه المحاولات في التاريخ الحديث ولكن هذا لا يعني ألا تكون حياة الأنبياء مادة لأحد أشكال الدراما من الفيلم، أو المسلسل، أو المسرحية، أو غير ذلك، بواسطة اتخاذ التقنيات الفنية المعهودة في إدارة القصة، أو استخدم الظل، مع عدم ظهور بطلها، وهو موجود في عالم الفن مع مراعاة الدقة المتناهية في المعلومات المنسوبة إليهم عليهم الصلاة والسلام، للحديث المتواتر «لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار». متفق عليه. •أما عن تمثيل الصحابة فأهم الآراء الفقهية المعتبرة فيه رأيان: الأول: المنع المطلق فلا يجوز على هذا تمثيل أشخاص الصحابة بالكلية، وهو ما يراه عدد من علماء الأزهر، وهو رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، الشيخ ابن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله بن غديان، والشيخ عبد الله بن قعود، وصدرت بذلك فتوى من هيئة كبار العلماء في السعودية، واستندت لجنة البحوث والإفتاء إليها في فتواها. الثاني: جواز التمثيل بضوابط وشروط يتفاوت البحث فيها بين عالم وآخر، ويمثل هذا الفريق الشيخ القرضاوي، والشيخ فيصل مولوي، والمفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، ولجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية وغيرهم. • أدلة القائلين بالتحريم: ويستند من يقول بالتحريم مطلقا إلى ما يلي: 1 ما قد ينتج عن تمثيل أشخاصهم من الامتهان والاستخفاف بهم، والنيل منهم، إذ يقوم بدورهم غالبا أناس بعيدون عن التدين والالتزام بأوامر الله، وهو ما قد يولد السخرية من الصحابة والدين وتعاليمه. 2 أن المفاسد المترتبة عليه أكثر من المصالح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع. 3 أن تمثيل الصحابة إنزال لمكانتهم العالية التي وهبهم الله تعالى إياها في قرآنه، وعلى لسان نبيه. 4 أن غرض التكسب والتربح سيطغى على تقديم الصورة الصحيحة. 5 ما حدث من قيام البعض من تمثيل الصحابة وسبهم وقذفهم، والاجتراء عليهم. 6 أن هؤلاء الكتاب والفنانين ينقصهم فنيات وأدوات كتابة التاريخ، فضلا عن كتابة السيرة التي لا يمكن معالجة حياة الصحابة بعيدا عنها، فهم جزء لا يتجزأ من السيرة النبوية الشريفة التي لا يصح كتابتها أو الخوض فيها بعيدا عن التزود بأدوات علم الحديث من جرح وتعديل، وهو مستند الدكتور عبد الفتاح عاشور. •أدلة القائلين بالجواز بشروط: 1 يستند من يحرم تمثيل بعضهم دون بعض «كالخلفاء الراشدين مثلا دون غيرهم» إلا أن كبار الصحابة لهم مكانة أكبر من غيرهم تمنع من أن يقوم بدورهم أحد، ويشترط فيمن يقوم بتمثيل الباقين أن يكون حسن السيرة والاستقامة، وهو ما اشترطه الشيخ القرضاوي. 2 إن كان التمثيل لن يقلل من شأنهم فلا يمكن الحكم عليه بالحرمة، وليس في قيام شخص بدور آخر فيه نوع من الكذب، لأنه معلوم أنه ليس هو الشخص، وهذا هو المفهوم من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. 3 إنه لا دليل على تحريم تمثيل الصحابة، وإنما العبرة بالمقصد أولا بأن يكون المقصد شريفا يتجه إلى تقديم صورة حسنة للأجيال، وتعميق المفاهيم التي عاشوا لها وماتوا في سبيلها، وليس الهدف ماديا محضا، ولا بد من اعتماد الروايات الدقيقة، وتجنب الروايات الضعيفة والمرجوحة. 4 تجنب تمثيل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عند طائفة منهم، لما لنسائه صلى الله عليه وسلم من الخصوصية التي تمنع من محاكاتهن. 5 بالنسبة لمن تدعو الحاجة إلى ظهوره ممن يستثنى (كالخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين) فيمكن ظهور الظل بدون الصورة الكاملة، أو يكتفى بالصوت إن أمكن ذلك، وذهب بعض هؤلاء إلى أن كل من بشر بالجنة لا يجوز تمثيله، ورأى مجمع البحوث الإسلامية استثناء العشرة المبشرين بالجنة دون غيرهم، وذلك أن البشارة هنا كانت في موطن خاص، ولكن الصواب أن المبشرين بالجنة آلاف من الصحافة، فاهل بدر كلهم مبشرون بالجنة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، ولكن العشرة جاؤوا في حديث واحد فليس ظاهرا وجه تخصيص العشرة المبشرين مثلا دون غيرهم، أو اعتبار البشارة مناطا للمنع والتحريم. •وقد أجاب المجيزون على أدلة المنع بما يلي: 1 الاستناد إلى الاستخفاف من شأن الصحابة، يصح أن يكون ضابطا لا مانعا، بمعنى أنه يحرم تمثيل أدوار الصحابة إن كان فيه استخاف بهم، أو تقليل من شأنهم أو الطعن فيهم، والضابط لا ينقلب دليلا. 2 الكذب التاريخي والطعن في الصحابة ليس دليلا خاصا فالكذب التاريخي، والطعن في الناس بلا بينة محرم، بعيدا عن كونهم صحابة أم لا. 3 القول في نفي المصلحة في التمثيل، وأنه ادعاء مجرد افتراض ليس مسلما، والمسألة والمرجع في هذه لأهل المعرفة والاختصاص الذين يدركون أهمية مثل هذا العمل وعظيم تأثيره على الناس، مسلمهم وكافره. 4 القول بعدم امتلاك الأدوات الفنية، والمعرفة بالجرح والتعديل يمكن أن يكون ضابطا يراعى وينبغي على الأمة أن تخرج من يمتلك هذه الأدوات. 5 الحكم على أن الضرار من حيث إن المنتجين لا هم لهم إلا التربح والتكسب، فإن كان هذا التربح والتكسب سيأتي على حساب الأمانة العلمية في العرض، وتشويه التاريخ فهو محرم بلا شك، ولكن لا يمكن الحكم على أن كل من ينتج ومن سينتج سيكون مثلهم، فقد دخل في ميدان الدراما وغيرهم من يحبون الإسلام، ويريدون أن يخدموه، وعندهم الاستعداد في أن ينفقوا الملايين من أموالهم لخروج عمل محترم، يخدم دينهم وسيرة سلفهم الصالح، بل هناك من غير المسلمين من يحرصون على المهنة والحرفة قبل أي شيء، ويرون أن هذه سبيل للتربح، وما دام الفن يعرض الحقيقة، فلا بأس أن ينظر إلى التربح، وإن كان الفقهاء أجازوا التربح من تعليم القرآن والإمامة وغيرها، فلا بأس من التربح من الأعمال الفنية، بل إن التكسب والتربح قد يساعد على استمرار المسيرة الفنية الصادقة، بشرط أن تحافظ على القيم العليا والمثل التي يجب الامتثال بها في العمل الذي يقومون به. ونحن نميل من حيث المبدأ إلى الجواز المشروط المنضبط، الذي يراعي المقاصد والأهداف الشرعية التي استند إليها القائلون بالتحريم.