تذكرون زلازل العيص والتهم التي لاحقت أهل تلك المدينة حينما قيل إن سبب ارتجاف الأرض آنذاك كان بسبب كثرة المعاصي. والآن جدة تواجه نفس التهم. فكارثتها الأولى مضت من غير أن تتنبه لكل التهم الملصقة بها، ومع مجيء الكارثة الثانية أكد بعض الوعاظ أن تكرار الحادثة إنما هو بسبب المعاصي في المقام الأول ثم الفساد. فهل جدة دولة مستقلة بذاتها حتى تصاب بالعذاب منفردة. أليست هي مدينة من مدن كثيرة تعرضت لنفس المصير (بأضرار أقل) فلماذا لم يقل هؤلاء الخطباء إن المدينة الشمالية أو الشرقية أو الوسطى جاءها العذاب لكون أهلها عصاة؟ لماذا أهل جدة هم العصاة من دون بقية مدن المملكة. فهي مدينة (مثلها مثل سائر المدن الأخرى) تسري عليها أنظمة وقرارات البلد، ولم نسمع أن أهلها كفروا أو ضلوا فما زالت مدينة يسكنها الصالحون والأتقياء، وترفع بها الصلوات الخمس وتصوم رمضان، ويخرج أهلها زكوات أموالهم، ويحسنون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فلماذا تنطلق حناجر بعض الخطباء بما يوغر الصدور. ثم يغيب على هؤلاء أن سنة الله هي نظام لا يطاله تبديل أو تحريف، فكما هي حركة الكون قائمة على معادلات تنتج عنها أحداث فلا يمكن تحميل تلك الأحداث بما تحمله عقولنا من قصور لفهم النتائج. ولو كان تحميل الكارثة على الفساد الإداري والمالي فسيكون هناك اتساع في الرؤية بما يحقق مفهوم اختراق النظام الكوني الذي يؤدي إلى كوارث. كالوقوف أمام جريان السيول (وهو تبديل لخلق الله) ويكون هذا الفعل قد أوجد سبب الكارثة، كما أن السرقة أو الغش أو التدليس أو تلاعب في المشاريع يؤدي إلى نتائج مؤذية فيكون الحديث في العمق وليس في السطح .. ولو كان الحديث عن كارثة جدة متطرقا لهذه المسببات كأساس لوقوع كارثة السيول عندها سنتفهم منطلق تلك المقولات. أما أن تخصص الكوارث لأهل جدة لكونهم منعوتين بصفات سابقة هي والله من باب الفتنة والذي زاد الأسف أن تنتقل هذه التهمة من أفواه الوعاظ البسطاء إلى أفواه من كنا نظن بعلمهم خيرا. ثم لو تفهم هؤلاء أن المعاصي ليست مقتصرة على فعل شخصي لا يتعداه بل هي منظومة تنتج مرتبطة بما يفعله الفرد فإذا تم الإخلال بالمعادلة نتج عن ذلك الإخلال فعل كارثي أما أن تكون الصفات السلوكية هي مصدر العذاب فهو عجز عن فهم ما يقف خلف المسببات الجوهرية. وللمرة الألف يجب فهم أن ما يحدث من كوارث طبيعية هي موجودة من الأزل، فليس لنظام الله عز وجل من تبديل أو تحريف وهو نظام شامل ليس مقتصرا على جدة أو الرياض أو بودبست أو التبت. ارحمونا من التفسيرات القاصرة التي لا تستوعب النظام الكوني الإلهي. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة