طبعا، المسألة لا تحل في عام ولا في عامين يذكر د. عمر فروخ، المؤرخ الكبير، عن زيارته لألمانيا، في سيرته الرائعة، أن حكومة هتلر، قررت تعديل محطة قطار كاملة، من الحديد إلى الآجر، فيذكر أنه ذهب مع المحطة، القريبة من بيته، إلى الجامعة صباحا، وهي حديد، وعاد مساء، وهي آجر أحمر لامعة. لم تتأخر رحلة واحدة عن موعدها، ولم يعرف أحد بتعطل يسير، ولا كبير، لولا شارات الاعتذار للعابرين، بوجود منطقة عمل مؤقتة . يحكي الدكتور «فروخ» هذا، عن بلد من بلدان هذا العالم يعني ناس زينا والله ، قبل أكثر من ستين عاما. ونحكي نحن الآن، عن جسر يعبره الأمين مفتتحا اليوم، ويغرقه المطر مختتما من الغد. لا أدري لماذا سمي جسرا، ألأجل هذا غرق. يبدو أن المشاريع تميل نحو الرومانسية أحيانا. حين تستحيل مدينة جدة، لكلمة سهلة ورخيصة وعابرة لكل نشرات أخبار العالم، مع كل رشقة مطر، وعنوانا متصدرا لصفحة الحوادث، وأعمدة المأساة، لا ينبغى أن تدعى هذه كارثة، ولا فاجعة، ولا مصيبة تحل بأرض عن أرض. العنوان الصحيح والملائم لما ينبغي أن تكونه هذه الاعتيادات الإغراقية، في دموعنا قبل المطر: «الاستهتار». ليس بحياة الناس فحسب، بل وبسمعة بلد كبير، وفاعل، ومعين لكل الشعوب المعتادة للكوارث، والتي لا تجيء في نشرة الأخبار إلا بكونها بعيدة عنا في الجغرافيا، قريبة منا في العناء الآن. أن يصبح معلماتنا، وطالباتنا، مثار ورهن شفقة العالم، بدعوات طويلة، أن ينجيهم الله، وأن يعيدهم إلى أهليهم، بعد يوم دراسي عادي، وسط مدينة حضارية وراقية وكبرى، وقديمة منذ خمسة آلاف عام، سالمين غانمين، غير مفجوعين، ولا منكوبين، تلك نكتة العقد الجديد، وأولى حكاياته، غير المضحكة تماما. نحن لا ننتظر من سيادة الأمين، مدينة جديدة، ولا سماء لا تمطر، ولا سحابات لا تعبر. نحن نحب المطر، لكننا فوق ذلك، نحب الصراحة، ونريد للسحابات أن تعبر، ولكن قبلها ليعبر الفساد. استخدام الأسلوب الإنشائي البليد، لخلق جو من الإثارة الصحفية، لا يحق أبدا، ووقت الفاجعة يجب أن يكون أكثر حرمة. والأعداد البشرية المنكوبة، لا يجب أن تكون أرقاما على شاشة الأخبار، وفي رسائل الهاتف العاجلة. «الحل الجذري» لا يمكن ولا يكمن في استخدام طائرة لرؤية مشروع، أو رفضها، ولا في زيارة آخر الليل لمسؤول، وأول النهار يزورها المطر. والآن مع أوامر خادم الحرمين الشريفين الصارمة والصريحة فنحن لا ننتظر حلا «جذريا»، أن ينقل البحر الأحمر مثلا في جدة، من جهة غربها المترف إلى شرقها البائس، لا شرق شارع الكورنيش يا مهندس طلال فحسب لأن كل المياه «عنادا»، والبحيرات الشذية العطرة، والكوارث المتكررة، والمعلمات المحتجزات، متكومون في الجانب الشرقي «العشوائي» منها، لا نريد هذا الحل، لأن هذا قد يأكل ميزانية ثلاثين عاما قادمة، وأكثر من 300 تصريح صحفي شديد اللهجة، دونما حل أكيد للمطر، وأيضا قد تغضب السودان، التي لن تصبح مطلة على البحر الأحمر، ألا تكفيها لعنة التقسيم! نريد وضوحا بسيطا من التنفيذيين، يقول للناس البسطاء والعابرين، ما يكون معوضا وصادقا وفارقا ومعزيا حقيقيا، ليس لأجل المطر، كل المدن تمطر وتجف. ولا لأجل العشوائيات، كل المدن بها عشوائياتها وبيوت صفيحها. ولا لأجل عدم الالتزام بتعاليم الدفاع المدني الحمراء والصفراء والخضراء من فرط المطر ، ولا لأجل أمين سابق، أو لاحق، بل لأجل مدينة، كان يمكنها أن تكون دولة من البهاء والجلال والجمال، ليس في مطارها الذي لا زال يحبو ، ولا في كونها مدخل المدينة المقدسة لمليار ونصف المليار بشري، ولا في انتمائها إلى أكبر بلدان البترول عالميا، ولا بكونها المدينة الثانية، والتي يجب أن تكون عاصمة بديلة يشار إليها في كل كتب الجغرافيا بكونها المدينة الأهم بعد العاصمة، ولا بكونها المدينة الميناء الرئيس للوطن، بل على الأقل، لأجل الذين فقدوا ذويهم في مطر سابق، جف من عام في الأرض، لكنه لم يجف بعد من ثوان في العيون. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة