** يبدو أن لعنة الخوف من الأمطار، ستتحول إلى بعبع يُطارد سكان ومواطني جدة، كلما لاحت في سماء "العروس" سحابة عابرة، وبالتأكيد فإن جزءًا كبيرًا من اهتمام الناس وتفكيرهم سيظل مدمجاً ب"فوبيا" المطر، حتى تتحرك الجهات الرسمية، وتحقق الاطمئنان مكان الخوف، والهدوء مكان الفزع، والذي مازال وسيظل مسيطرًا على عباد الله، وسط حالة من التباطؤ في (تغيير الأحوال) من قِبَل الجهات الخدمية، والذي يرفع الكثير من علامات الاستفهام المُخجلة!! ** يوم الثلاثاء الماضي أمطرت سماء "العروس" مرتين، بعد صلاة العشاء، ثم بعد منتصف الليل، فبلغت القلوب الحناجر، خوفاً وهلعاً، وغادر سكان الأحياء الشرقيةبجدة بيوتهم، قبل أن يطلب منهم الدفاع المدني، خوفاً على رقابهم من موت قد يلتف حول أعناقهم، كما حدث ظهيرة (الأربعاء الأسود) وسهروا إما فوق رؤوس الجبال بالنسبة للفقراء الذين لا يستطيعون استئجار شُقق مفروشة، أو لدى أقاربهم أو على حسابهم للمقتدرين منهم!! ** كان السؤال الذي ردَّده المواطنون والسكان: ماذا فعلت الجهات الرسمية من إنجازات على الأرض، وقد مرَّ أكثر من شهر على (الأربعاء الأسود).. أين أفكار مشاريع السدود التي كان يجب أن يُعلن عنها، أين طلائع قنوات تصريف السيول التي كان من الواجب البدء فيها، أين العمل الفعلي لتجفيف بحيرة الصرف، تلك القنبلة الضخمة الموقوتة. ** سمعت في تلك الليلة مجموعات من الناس في أحد المقاهي، وهم يتندَّرون على عدد من المسؤولين في جدة، ممن لازال متشبثاً ب"الكرسي الدَّوار" وهو يعرف في قرارة نفسه أنه مسؤول عاجز.. وسمعت من يتساءل كيف يمكن لأولئك أن يُقابلوا أهالي جدة في المناسبات والحفلات مثلاً، وكارثة جدة، وأمطارها المتلاحقة مازالت تكشف إداراتهم السقيمة، ومشاريعهم الفاشلة، وقال أحدهم: والله لو كنت حتى رئيس بلدية فرعية لقدَّمت استقالتي فوراً، حتى أُنقذ ما بقي من ماء وجهي، لأنني لم أعد قادراً على أي عمل إضافي استثنائي، يُواكب طموح هذه المدينة الحالمة، وما دام أنه لم يُقدِّم شيئاً كبيراً أيام الرخاء، فما الذي سيقدمه أيام الشدة؟!! ** الأمطار الأخيرة بعد كارثة (الأربعاء الأسود) جعلت الناس يتسابقون على اختطاف أبنائهم وبناتهم من بوابات المدارس، بعد أن وصل الهلع بالطلاب والطالبات في شرق ووسط جدة مبلغه، وحدث غياب شبه جماعي للدراسة في اليوم التالي الأربعاء، لأن الناس لم يعد يهمها سوى سلامة أرواحها، ومعهم كل الحق، وكنت أسأل زميلاً صحافياً، هل أقام الدفاع المدني مثلاً نقاط مراقبة دائمة على الجبال البعيدة في شرقي جدة، لمراقبة السيول المنقولة، كما تفعل الأمم النابهة، والجهات الخدمية فيها، والتي تستفيد من دروس الكوارث، فلا تجعل سلبياتها تتكرر، وبالتالي يمكن لها إنقاذ أرواح المواطنين من مذبحة جماعية جديدة، قبل أن تصل السيول إلى فوهات منازلهم، لإخطارهم بالهرب إلى الجبال على الأقل!! ** ودعوني أُسجِّل دهشتي الكبيرة مع الكثير جداً من المواطنين، الذين قرأوا قبل أيام تصريحاً لعضو في مجلس الشورى ل"عكاظ" عندما قال إن هناك مبالغات في تصوير فاجعة جدة (!!).. أخونا هذا بدل أن ينزل إلى الميدان، ويُسجِّل مشاهداته ويتفقَّد إخوانه المتضررين، باعتبار أن هذا الإجراء من صميم عمله كممثل للشعب في البرلمان، شنَّف آذاننا بهذا التصريح العجيب، الذي إن دلَّ على شيء فإنما يدل على حجم تفاعله مع قضايا منطقة منكوبة داخل بلده، سمع بها القاصي والداني، وليته سكت!! ** وأخيراً ألا ترون أنه من الطبيعي أن يتم ضخ دماء جديدة، بدل القائمة حالياً على أمر عدد من الجهات الخدمية في جدة، دماء جديدة متوثبة، وقادرة على أن تُعيد صياغة البنية التحتية في مدينة يسكنها أربعة ملايين نسمة، وحجم مساحتها يُقارب إحدى دول الخليج، ليُحقق لها تطلعات مليكنا الشجاع والصالح "حفظه الله"، وليواكب أحلام سُكانها في ترجمة ما يُصرف عليها من أموال ضخمة في كل ميزانية، إلى أن تكون فعلاً عروس البحر الأحمر؟!!